عملها :
واو المعية ـ هنا ـ حرف عطف فى المشهور ، مع إفادته المصاحبة (١) والاجتماع. والمضارع بعده منصوب بأن المضمرة وجوبا ، وزمنه ـ كما عرفنا ـ. متجرد للاستقبال الخالص ، والمصدر المؤول بعده معطوف بالواو على مصدر مذكور فى الكلام السابق. فإن لم يوجد فى الكلام السابق مصدر وجب تصيده بالطريقة التى سلفت فى العطف بفاء السببية(٢).
ويشترط لنصب المضارع بأن المضمرة وجوبا بعد «واو المعية» أن تكون واو المعية مسبوقة إمّا بنفى محض ، أو بما يلحق به ، ـ وقد شرحناهما (٣) ـ وإما بنوع من أنواع الطلب الثمانية التى سبق بيانها وشرحها فى «فاء السببية» (٤) ـ غير أن بعض النحاة يمنع وقوع «واو المعية» بعد أربعة أنواع من الطلب ؛ هى : الدعاء ، والعرض ، والتحضيض ، والترجى. وحجته : أن السماع الكثير لم يرد بواحد منها ، والسماع الكثير هو الأساس للقياس ؛ فلا يصح الإقدام على نصب المضارع بعدها ما دام هذا الأساس مفقودا. ولا يصح عنده النصب حملا لواو المعية على «فاء السببية» ؛ لأن الحمل ـ برغم التشابه بينهما فى كثير من الأمور ـ لا داعى له.
__________________
ـ ولا يليه إلا المضارع بالشروط التى سنعرفها. وإنما قلنا مع دلالته الدائمة على المعية نصا ؛ لأن الواو العاطفة لا تدل على المعية نصا ، وإنما تدل عليها بقرينة أخرى خارجة عنها ؛ فمن يقول : دعوت الضيف والشريك لزيارتى ـ قد يقصد أنه دعاهما معا فى وقت واحد ، وقد يقصد أنه دعاهما فى وقتين مختلفين ؛ فليس فى الكلام ما يعين أحدهما نصا ؛ لأن الواو العاطفة تدل على مجرد التشريك فى المعنى ، ولا تدل على المصاحبة الزمنية والاجتماع فى أثناء تحققه إلا بقرينة. وهذا هو المراد من قولهم : إنها لمجرد الجمع ، أى : للتشريك فى المعنى من غير دلالة على ترتيب ، أو تعقيب ، أو مصاحبة ... بخلاف الدالة على العطف والمعية معا ، فإنها تجمع بين الأمرين فى وقت واحد ، ووقوع المضارع بعدها منصوبا دليل على أن المتكلم يريد الأمرين معا. (وقد سبق بيان هذا فى باب العطف ، ج ٣ ص ٤١٢ م ١١٨ وفى باب المفعول معه ج ٢ ص ٢٢٦ م ٨٠).
(١) والكوفيون يمنعون العطف بها. ـ كما سيجىء فى ص ٣٥٧ ـ
(٢) ص ٣٣٦.
(٣) ٣٣٤.
(٤) ويلحق بالطلب أداة الشرط إذا وقع المضارع المسبوق بالواو متوسطا بين شرطها وجوابها ، أو متأخرا عنهما ، ففى حالة التوسط أو التأخر يجوز اعتبار الواو للمعية ، ونصب المضارع بعدها بأن المضمرة وجوبا ، كما يجوز عدم اعتبارها للمعية فلا ينصب المضارع. وكل هذا على حسب الاعتبارات المعنوية التى تقدمت فى فاء السببية ، فى رقم ٣ من ص ٣٥١ ، والتى ستجىء فى الجزم ، ص ٤٤٥.