ما يلى «حتى») متأخر فى زمنه عما سبقها ... وبسبب هذا التأخر كان مستقبلا
بالنسبة للسابق ، من غير حكاية حال ماضية ، ولا تخيل إرجاعها.
ومن الأمثلة
أيضا قول مؤرخ آخر : (استطاع المسلمون الأوائل فتح فارس. والشام ، ومصر ، فى شهور
قلائل ؛ لأن سلطان العقيدة غلب كل سلطان آخر ، فوهب الرجل منهم نفسه للقتال حتى
ينتصر أو يموت شهيدا ، لا يعرف التردد ، ولا الفرار ، ولا الخيانة. وخاض المعركة
حتى يبلغ أمنيته فى النصر أو الاستشهاد ...) فالمعنى قبل «حتى» ـ وهو : الهبة
للقتال ـ قد مضى وانتهى. وكذلك المعنى بعدها ؛ وهو : النصر ، أو الموت. إلا أن
الهبة أسبق فى مضىّ زمنها ؛ ولذا يعد الثانى ـ وهو المتأخر فى زمن انقضائه ـ مستقبلا
بالنسبة للأسبق.
ومثل هذا يقال
فى خوض المعركة ، وفى بلوغ الأمنية ، فكلاهما ماضى المعنى قد فات وقته حقّا ، إلا
أن خوض المعركة أسبق فى المضى من بلوغ الأمنية ، فكان بلوغ الأمنية ـ بسبب تأخر
زمنه ـ مستقبلا بالنسبة لخوض المعركة.
وجواز الرفع
والنصب فى هذه الحالة وأشباهها قائم على أساس التأويل ؛ فالرفع على تخيل زمن
المضارع حالا مؤولة افتراضا ، من غير حكاية ؛ لأن المضارع الذى للحال المحكية يجب
رفعه ـ كما تقدم ـ والنصب إما على اعتباره مستقبلا بالنسبة للمعنى الذى
قبل «حتى» ، لا بالنسبة لزمن التكلم. وإما على اعتبار العزم والنية على تحقيق معنى
المضارع قبل وقوع معناه. وفى صورة رفعه تكون «حتى» ابتدائية ، وفى صورة نصبه تكون
جارة والمضارع بعدها منصوب بأن المضمرة وجوبا ـ كما أسلفنا ـ
ومن الخير عدم
استعمال هذه الصورة القليلة التى يصح فيها الأمران ، وإهمالها قدر الاستطاعة.
* * *
__________________