لأنه حكم بالسلب على أمر ، والحكم بالسلب ينصبّ سريعا ، دفعة واحدة ؛ لا تدريجا ـ فى الصحيح (١) ...
ولو كانت «تعليلية» لوجب أن يكون ما قبلها سببا وعلة فيما بعدها. وهذا لا ينطبق على ما نحن فيه ؛ إذ ليس عدم صلاح الوالى للحكم هو السبب فى أنه يلتزم العدل. ومن أمثلة «حتى» التى بمعنى : «إلا» قول علىّ رضى الله عنه : «لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه» (٢).
وكذلك قول شوقى :
وما السلاح لقوم كلّ عدّتهم |
|
حتى يكونوا من الأخلاق فى أهب (٣) |
..................... (٤) * * * |
__________________
(١) وهنا اعتبار آخر ؛ هو أن الكلام قبل «حتى» منفى فى هذه الصورة ؛ والمنفىّ لا يزول معنى نفيه إذا كانت «حتى» للغاية وتحققت الغاية. فعند تحققها يبقى معنى النفى قبل «حتى» على حاله. ويترتب على بقائه فساد المعنى ؛ إذ يكون التقدير : لا يصلح الوالى للحكم إلى أن يلتزم العدل ، فإذا تحقق التزامه العدل لا يصلح للحكم.
وبهذه المناسبة نشير إلى أهم الأحكام الخاصة «بحتى الاستثنائية» ؛ وقد نبه العلماء إليها ؛ لدقتها ، وخفائها على كثير :
«أولها» أن «حتى» الاستثنائية تسبق ـ كثيرا ـ بنفى ؛ يجعل معنى الجملة التى قبلها منفيا.
«ثانيها» أن معنى الجملة المشتملة على هذا النفى يظل على حاله عند التقدير مستمرا ومنفيا لا ينقطع استمراره ونفيه بوقوع ما بعدها ، مهما كانت الأحوال. والسبب فى هذا أن الاستثناء الذى تتضمن معناه ، وتدل عليه «هو استثناء منقطع» ـ فى الأعم الأغلب ـ (أى : لا يكون فيه المستثنى. من جنس المستثنى منه ، فهى بمعنى : «لكن» ساكنة النون). كالذى هنا ، وقد يكون متصلا أحيانا كالذى فى قوله تعالى : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) فهى للاستثناء المتصل من عموم الأحوال.
«ثالثها» أن «حتى» تتضمن معنى «إلا» الخالية من «أن» بعدها. أما «أن» التى تظهر فى تأويل الجملة فهى «أن» المصدرية المضمرة وجوبا بعد «حتى». فإذا وضعنا «إلا» مكان «حتى» ظهرت «أن» المضمرة ؛ إذ لو كانت «حتى» بمعنى : «إلا» و «أن» معا لتكررت «أن» عند التأويل ، وصار الكلام : لا يصلح الوالى للحكم : «إلا أن أن» يلتزم العدل ، بذكر «أن» مرتين ؛ إحداهما التى كانت مضمرة وجوبا مع «حتى» والأخرى هى المزعومة خطأ بعد «إلا».
(٢) استقامة اللسان : ترك الغيبة والنميمة ، وكل لفظ يؤذى.
(٣) جمع : إهاب ، بمعنى : جلد.
(٤) ومن الأمثلة أيضا قول المتنبى :
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى |
|
حتى يراق على جوانبه الدم |
وقول الآخر :
ولا ألين لغير الحق أتبعه |
|
حتى يلين لضرس الماضغ الحجر |