(ب) وأما عملها : فالجرّ باعتبارها حرف جر أصلى ، بشرط أن يكون المضارع بعدها منصوبا بأن المصدرية ، المضمرة وجوبا.
وهذا النوع من أنواع «حتى» (وهو الذى يعنينا هنا) لا يجرّ إلا المصدر المنسبك من «أن» المصدرية مع صلتها الجملة المضارعية. ففى مثل : الصبر يحمى النفس الحزينة ، حتى تفىء إلى السكينة ـ يكون الإعراب : (حتى) حرف جر ـ (تفىء) فعل مضارع ، منصوب «بأن» المضمرة وجوبا بعد «حتى». والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره : «هى». والمصدر المؤول من «أن» وما دخلت عليه من الجملة المضارعيّة مجرور «بحتى». والتقدير : حتى إفاءتها ... وهذا الجار ومجروره متعلقان بالمضارع : «يحمى» ...
وهى تعمل الجر دائما ولو كان معناها : الاستثناء ؛ فشأنها فى هذا شأن : (خلا ، وعدا ، وحاشا) ، والثلاثة حروف جر. ومعناها : الاستثناء.
* * *
(ج) وأما حكم المضارع بعدها : فتارة يجب رفعه ؛ فتكون ابتدائية (١) ، وتارة يجب نصبه بأن مضمره وجوبا ، فتكون جارة للمصدر المؤول بالطريقة التى أوضحناها ، وتارة يجوز فيه الأمران ؛ فتكون ابتدائية عند رفعه ، وجارة عند نصبه بالحرف المصدرى «أن». وفى كل أحوال المضارع لا يجوز أن يفصل بينه وبين «حتى» فاصل مذكور أو مقدر إلا «أن» المضمرة وجوبا (٢) فى حالة نصبه.
١ ـ فيجب رفعه فى كل حالة تستوفى ثلاثة شروط مجتمعة :
الشرط الأول : أن يكون زمن المضارع للحال حقيقة أو تأويلا ، والحال الحقيقية ـ ـ كما سلف (٣) ـ هى التى يقع فيها الكلام ؛ فزمنها زمن النطق بالكلام المشتمل على «حتى». أى : أن الزمن الذى يحصل فيه الكلام هو نفسه الزمن الذى يجرى فيه ـ أول مرة (٤) ـ معنى المضارع التالى لها. فلا بد أن تجمع الحال الحقيقية بين
__________________
(١) سبق معنى «الابتدائية» فى هامش ص ٣١٤.
(٢) ويجيز بعض النحاة الفصل بينهما بالظرف ، أو الجار مع مجروره ، أو بالقسم ، أو بالمفعول أو بالشرط الذى فعله ماض. وهذا الرأى حسن ؛ إذ فيه تيسير.
(٣) فى هامش ص ٣١٤.
(٤) أوضحنا فى هامش ص ٣١٤ المراد من أنه «أول مرة» ، بأن يتحقق المعنى وقت الكلام فعلا ، وأنه لم يكن قد تحقق قبله ، أما إذا تحقق قبله وأريد إنزاله منزلة ما يتحقق وقت الكلام فإنه يكون حالا مؤولة ـ كما سيجىء فى الصفحة التالية ـ