والكلام عليها ـ هنا ـ يتجه إلى ناحية معناها ، وعملها ، وحكم المضارع بعدها.
(ا) فأما معناها فالدلالة على «الغاية» ، أو : على «التعليل» ، أو : على «الاستثناء»
فتدل على الغاية إذا كان المعنى بعدها نهاية لمعنى قبلها ينقضى تدريجا ، لا دفعة واحدة ، ولا سريعا ، ويترتب على تحقق المعنى الذى بعدها أن ينقطع المعنى السابق فورا ، وأن يتوقف بمجرد تحقق اللاحق وحصوله ؛ نحو : (يمتد الليل حتى يطلع الفجر) ـ (يزداد الحرّ نهار الصيف حتى تغيب الشمس ، ويزداد البرد ليل الشتاء حتى تشرق) ـ (يسرع القطار حتى يدخل المحطة ، والطائرة حتى تدخل حظيرتها) ... فامتداد الليل يستمر تدريجا إلى أن يظهر الفجر ، وعند ظهوره ينقطع الامتداد ويختفى. وازدياد الحر يدوم إلى أن تختفى الشمس ، ومتى اختفت انقطع الازدياد وتوقف ... وهكذا بقية الأمثلة ونظائرها مما تقع فيه: «حتى» دالة على الغاية (أى : على نهاية المعنى الذى قبلها ، وانقطاعه ، بسبب ظهور معنى جديد بعدها ، وابتداء حصوله وتحققه) ، ولذا يسمونها : «حتى الغائية» أو : «حتى التى بمعنى : إلى» ؛ لدلالة كل واحدة منهما على
__________________
ـ يقيم الفراعنة المصريون القدماء مسلات ضخمة ، حتى يكتبون على جوانبها تاريخهم ، ومآثرهم. أى : حتى كتبوا. ومثال الحال المؤولة عن المستقبل : يأتى الشتاء فى الشهر القادم ؛ وها هو ذا المطر ينهمر. ويشتد البرد حتى ترتجف منه أعضائى. ومثال الحال الحقيقة ـ : أقف الآن على شاطىء البحر والشمس منحدرة إلى مغربها حتى أتابع منظر غروبها ـ هذه الوردة فى يدى أرقبها وأشمها ، حتى أتمتع بلونها وبطيب رائحتها ـ فمتابعة الغروب تتحقق فى الزمن الذى ينطق فيه المتكلم بالجملة المشتملة على «حتى» ؛ فزمنهما واحد هو : الحال. كذلك التمتع بطيب الوردة ولونها ؛ يقع فى الزمن الذى يقع فيه النطق بالجملة المشتملة على «حتى» وهو الزمن الحالى. وفى هذه الأمثلة وأشباهها تعرب «حتى» حرف ابتداء يدل على «الغاية» والجملة بعدها مستقلة فى إعرابها لا فى معناها. ـ وقد شرحنا معنى الغاية هنا.
ثالثها : «حتى» الجارة ، وهى نوعان ؛ نوع يجر الاسم الظاهر الصريح (والظاهر : ما ليس ضميرا ، والصريح ـ : ما ليس مصدرا مؤولا) ومعناها الدلالة على الغاية : نحو : قرأت الكتاب حتى الخاتمة. ولا شأن لنا بهذا النوع هنا ، ـ (فقد سبق الكلام عليه فى الجزء الثانى ، باب حروف الجر ، م ٩٠) ونوع يجر المصدر المؤول من «أن» المضمرة وجوبا وما دخلت عليه من جملة مضارعية. ومعناها : إما الدلالة على الغاية ، وإما الدلالة على التعليل ، وإما الدلالة على الاستثناء. والنوع الجار للمصدر المؤول هو موضوع كلامنا الآن.
«ملاحظة» : يصح حذف ما دخلت عليه «حتى» مهما كان نوعها بشرط ألا يكون اسما صريحا مجرورا بها. ومن الأمثلة قول الشاعر وقد ذهب لزيارة شخص :
فلما لم أجدك فدتك نفسى |
|
رجعت بحسرة وصبرت حتى ... |
يريد : حتى يأذن الله ـ مثلا ـ