الأداة الثالثة (١) : «حتّى» الجارة للمصدر المنسبك من «أن» والجملة المضارعية :
__________________
(١) وتنطبق عليها الأحكام العامة التى فى رقم ٢ من هامش ص ٢٩٨ ـ ولا تتضح «حتى» الجارة على الوجه المحمود إلا بعرضها مع بقية أنواع «حتى» عرضا مناسبا ؛ يكفى لتمييز كل نوع من غيره.
أنواع «حتى» ثلاثة ؛ أولها : العاطفة ؛ وهى حرف عطف يفيد بلوغ الغاية فى خسة ، أو شرف ، أو قوة ، أو ضعف ، أو نحو هذا من كل ما يفيد كمالا أو نقصا ، حسيين أو معنويين ، أو يدل على حسن أو قبح كذلك .. ومن أحكام هذا النوع أنه لا يدخل على الحروف ، ولا يعطف المصادر المؤولة ، ولا الأفعال ، ولا الجمل الفعلية ولا الاسمية ، وإنما يعطف الاسم الظاهر الصريح فقط.
(وقد سبق تفصيل الكلام على هذا النوع ، وعلى أحكامه فى باب العطف ج ٣ ص ٤٢٩ م ١٨).
ثانيها : «حتى الابتدائية» وتفيد الدلالة على : «الغاية» ولو بتأويل أو تقدير ـ ، ولكنها لا تدخل إلا على جملة جديدة ؛ مستقلة عن الجملة التى قيلها فى الإعراب ، مع اتصالهما معنى بنوع من الاتصال. وهذا هو المراد من قول «الخضرى» عند كلامه عليها فى باب العطف ج ٢ ـ : «إنها هى الداخلة على جملة مضمونها غاية أى : نهاية وآخر لشىء قبلها.) ؛ فتدخل على الجملة الاسمية نحو : الصناعة مفيدة ، حتى فائدتها الخلقية كبيرة. وتدخل على الجملة الفعلية الماضوية ؛ نحو قول الشاعر :
وضاقت الأرض ؛ حتى ظنّ هاربهم |
|
إذا رأى غير شىء ظنّه رجلا |
ونحو : ارتفع صوت الحرية فى القرن العشرين حتى ملأ الأسماع ، ودوّى فى المشارق والمغارب حتى زلزل حصون الاستبداد .. وتدخل على الجملة المضارعية بشرط أن يكون زمن المضارع حالا حقيقية ، أو مؤولة بالحال ، وفى الصورتين يجب رفع المضارع. فالحقيقية : (هى التى يكون زمنها هو زمن التكلم.) وفى أثنائه يتحقق معنى المضارع ؛ بحيث يكون الوقت الذى يجرى فيه الكلام هو الوقت الذى يقع فيه ـ أول مرة ـ معنى هذا المضارع. أى : أن الزمن الحالى يجمع بين كلام المتكلم ، وحصول معنى المضارع أول مرة ـ بالنسبة لهذا الكلام الذى يحوى المضارع ، نحو : أصغى الآن للخطيب حتى أسمع وأفهم كلامه (طبقا للبيان الآتى فى ص ٣١٩) والمؤولة بالحال إما مؤولة عن ماض : وهى التى يكون زمنها قد فات قبل التكلم ، ومعنى المضارع قد وقع وانتهى ، وتم كل هذا قبل النطق بالجملة المشتملة على «حتى» ومضارعها ولكن المتكلم يتخيل أن ذلك الزمن بما يحويه من معنى المضارع لم ينته ، وأنه موجود قائم حين النطق بالجملة. وهذه الطريقة تسمى : «حكاية الحال الماضية» (وسيجىء تفصيل الكلام عليها هنا ، وفى ج من ص ٣١٨. حيث نعرف الداعى لها ، وأثرها النحوى والمعنوى.) أما علامة هذه الحال الماضية المحكية فصحة الاستغناء عن مضارعها ، وإحلال ماضية محله فلا يتغير المعنى ولا يفسد التركيب (كما سيجىء فى ص ٣٢٧ ـ
وإما مؤولة عن مستقبل ؛ وهى التى يقع الكلام ويتحقق دون أن يقع ويتحقق زمنها وزمن مضارعها فى أثنائه ، أو قبل النطق به. ولكن المتكلم يتخيل زمنها قائم وقت الكلام. وعلى هذا لا يصح اعتبار : «حتى» ابتدائية إذا كان معنى المضارع الذى بعدها قد تحقق فى زمن انتهى حقيقة ، أو أنه سيتحقق فى زمن مستقبل حقيقة ، بغير تخيل الحال وحكايتها فى كل واحدة منهما ... فمثال حكاية الحال الماضية التى يتخيل المتكلم وقوعها وقت كلامه ـ على الرغم من أن زمنها قد فات حقا ، وانتهى قبل أن يتكلم ، قول المؤرخ : ـ