وإذا كان الفعل المنفى قبل اللام فعل «كون» غير ناقص لم يصح اعتبارها لام جحود ، ووجب توجيهها لشىء آخر ، ويكثر أن يكون هو «التعليل» أيضا على الوجه السالف ؛ نحو : ما كان الحاكم ليظلم ؛ بمعنى : ما وجد الحاكم ليظلم. فالشأن فى «كان» هنا كالشأن فى كل فعل غير ناسخ يحل محلها من ناحية أن الجار والمجرور منفيان حتما أو يتعلقان به ؛ فيصير مقيدا بهما ؛ ويصير معناه بسبب النفى الواقع عليه غير مطلق ، وإنما هو مقيد بحالة معينة دون غيرها. أما غيرها فمسكوت عنه يحتاج لقرينة خارجة عن الجملة ، تبين أمره نفيا وعدم نفى ، والقيد (الجارّ والمجرور المتعلقان به) منفى حتما. فكأن الناطق بهذا المثال يقول : ما كان الحاكم (أى : ما وجد وظهر الحاكم) الذى يكون سبب وجوده ، وعلة ظهوره : الظلم. فسبب الوجود وعلته هو : الظلم ، والظلم منفى ، فالمسبب عنه منفى لا محالة. أو الجار والمجرور متعلقان بالفعل ، فهما قيد له ... و ... وفى هذا المثال لا يصح اعتبار اللام «للجحود» ؛ لأن هذا يؤدى إلى مخالفة الواقع الذى يدل على أن كثيرا من الحكام ظالمون.
ومن الأمثلة السالفة وأشباهها يتبين أن النفى قبل لام التعليل ينصبّ على الفعل الذى قبلها فى حالة واحدة ؛ هى التى يكون فيها مقيدا بهذه اللام الجارة ومجرورها ، وليس مطلقا من التقييد ، وأن هذا النفى ينصب على ما بعدها دائما (أى : على القيد).
فإذا كان الفعل غير مسبوق بنفى لم تكن اللام للجحود.
وإذا كان الفعل ناسخا غير «كون» لم تصلح اللام للجحود ـ كما تقدم ـ فى أصح الآراء ؛ فلا يقال : ما أصبح محمد ليهمل عمله ، ولم يصبح محمود ليهين غيره ... وما ظننت الأمة الناهضة لتسىء إلى علمائها ، ولم أظن الشعوب القوية لتركن إلى الراحة ... قال أبو حيان : «كل هذه التراكيب فاسدة ؛ إذ لم يسمع لها نظير فى كلام العرب ، فوجب منعها وردّها».
(ج) يتردد هنا ـ وفى الأبواب الأخرى ـ لفظ : «لام التعليل» ، و «لام الجحود» فما الفارق الدقيق بينهما ؛ بحيث تتميز إحداهما من الأخرى بغير غموض ولا خفاء؟
الفارق بينهما ما أسلفناه من أن لكل واحدة منهما معنى يخالف معنى الأخرى ؛ فلام الجحود تفيد النفى العامّ ؛ ولام التعليل تفيد التعليل (أى : أن ما بعدها