علة وسبب فيما قبلها) على الوجه الذى شرحناه فى كل منهما. وشىء آخر ؛ هو أن النفى مع لام الجحود مسلط على ما قبلها وما بعدها معا فى كل حالاتهما ؛ فهو منصب على الكلام كله ؛ لأن ما قبلها كون عامّ منفى ، وخبره المحذوف أمر عام أيضا ، ومنفىّ تبعا له ، ويتعلق به الجار والمجرور ، فهما متعلقان بأمر عام منفى ، فيتسرب إليهما النفى منه حتما ؛ لدخولهما فيما يشتمل عليه ... ويؤثر فيه ؛ بالنفى كالأمثلة التى فى أول البحث ؛ حيث يعم ما قبل لام الجحود وما بعدها ، ويكون شاملا غير مقيد بقيد يخرج بعض الحالات.
أما لام التعليل فالنفى قبلها داخل على فعل خاص ، ليس كونا عامّا ، وإنما هو فعل مقيد بالجار والمجرور (وهما : لام التعليل ، وما دخلت عليه) ؛ فالنفى منصبّ على هذا الفعل المقيد ؛ أى : منصبّ عليه فى حالة تقيّده ـ وهى حالة واحدة ، دون غيرها من الحالات الأخرى الكثيرة التى لا تدخل فى التقييد ؛ والتى هى مسكوت عنها ، كما قدمنا ـ فلا يحكم على تلك الحالات الأخرى بالنفى أو بعدمه إلا بقرينة خارجة عن الجملة. والقيد (وهو لام التعليل ومجرورها) ـ منفيان حتما ، لتعلقهما بالفعل الخاص المنفى. فالمعنى بعد لام التعليل منفى ، أما قبلها فلا يتعين النفى إلا فى الصورة الواحدة التى شرحناها وهى التى يكون فيها الفعل مقيدا بالجار مع مجروره ؛ فمعنى الفعل فيها ليس عامّا (١) مطلقا.
وبناء على ما سبق اشترطوا لصحة «لام الجحود» ألا ينتقض النفى بعدها بشىء ؛ مثل «إلّا (٢) الاستثنائية» ـ أو إحدى أخواتها ـ فلا يقال : ما كان الحر إلا ليقبل الضيم ؛ لأن «إلّا» هذه تنقض النفى السابق عليها ؛ وتجعل ما بعدها مثبتا. وهذا مخالف لما تتطلبه لام الجحود من نفى ما قبلها وما بعدها معا بالحرف النافى المذكور فى صدر جملتها. ولم يشترطوا هذا فى لام التعليل فأجازوا : ما حضر المتعلم إلا ليستفيد ، فصدر الجملة ينفى الحضور عن المتعلم ،
__________________
(١) يقول الصبان : إن النفى مع «لام» التعليل منصب على ما بعدها فقط ، فهل هذا يوافق ما يقوله أكثر النحاة من أن ما بعد «لام التعليل» علة لما قبلها ، وإذا انتفت العلة انتفى المعلول؟
يبدو أنه لا يوافقه ، إلا إذا كان مراده أنه لا يشمل ما قبلها من الصور المتعددة التى لا تدخل فى القيد
(٢) سبقت الإشارة لهذا (فى رقم ٢ من هامش ص ٢٩٩ ورقم ١ من هامش ص ٣٠١)