للتعليل فى كثير من الأساليب المنفية ، فتدل على أن ما بعدها علة لما قبلها ـ وقد تسمى فى هذه الحالة «لام كى» كما سبق (١) ـ ، نحو : لم يكذب الشاهد ليساعد المتهم ؛ فعدم مساعدة المتهم هو العلة فى عدم كذب الشاهد أى : لم يكذب الشاهد كذبا يكون سببه وعلة حدوثه (أى : الغرض منه) هو مساعدة المتهم ، فمساعدة المتهم هنا لم تتحقق ؛ فهى منفية. وأساس نفيها وعدم تحققها ما قرروه (٢) من أن النفى الذى قبل لام التعليل ينصب على ما بعدها ، دون أن يشمل معه ما قبلها إلا بقرينة ، كما فى المثال السالف. وتفسير هذا ما قرروه أيضا من أن الجار والمجرور بعد «لام التعليل» المسبوقة بفعل منفى إنما يتعلقان بذلك الفعل المنفى ، ويصيران قيدا فيه ؛ فلا يكون نفيه مطلقا خاليا من التقييد ، ولكنه مقيد بهما ، فالنفى ينصب عليه فى حالة واحدة فقط ؛ هى حالة تقيده بهما ، دون بقية أحواله المطلقة التى لا تخضع للقيد. وفى هذه الحالة الواحدة يسرى النفى إلى القيد فيشمله أيضا (أى : يسرى على الجار مع مجروره) ، ففى المثال السّالف يكون الكذب المنفى نوعا معينا محددا ؛ هو الكذب المقيد بأنه لمساعدة المتهم ، أما الكذب لغير هذه المساعدة فمسكوت عنه ؛ لا يمكن الحكم عليه بشىء ؛ فقد يكون منفيّا أو غير منفى بقرينة أخرى خارجة عن الجملة. والقيد نفسه (وهو : المساعدة) منفى حتما (٣) ...
مثال آخر : ما صلّى العابد لينافق. أى : ما صلّى العابد صلاة يكون سببها ، وعلة أدائها هو : النفاق. فالجار والمجرور المكوّنان من لام التعليل وما دخلت عليه قد انصبّ عليهما النفى حتما. وأما ما قبلهما ـ وهو الصلاة غير المقيدة ـ فمسكوت عنه وإن شئت فقل : هما متعلقان بالفعل المنفى : «صلّى» فهما قيد له ، وصار بهما مقيدا ، فالصلاة المنفية هى الصلاة المقيدة بأنها للنفاق ، وليست مطلق صلاة. أما الصلاة المطلقة التى ليست للنفاق فمسكوت عنها ، لا يفهم أمرها ولا الحكم عليها من هذا التركيب ؛ فقد تكون موجودة أو لا تكون ... وتوجيهها لأحد الأمرين يحتاج إلى قرينة أخرى خارجة تعينها لهذا أو لذاك ، والقيد فى الحالين منفى حتما (٤) ...
__________________
(١) فى «ب» من ص ٢٨٦.
(٢) راجع الصبان فى هذا الموضع.
(٣ و ٣) مما يزيد الأمر وضوحا أن نجعل هذا المثال مثبتا (خاليا من النفى) ونوازن بين معنييه فى حالتى الإيجاب والنفى ، فيزداد المراد من التعليل والتقييد جلاء ، ولا سيما إذا تعددت وتنوعت الأمثلة ـ ثم انظر «ج» الآتية.