لكن كيف يمكن التمييز بين القسمين ، والحكم على الاسم المعرب بأنه من القسم الأول «الأمكن» أو من القسم الثانى «المتمكن»؟
لقد اقتصر النحاة على وضع علامات مضبوطة تميز الاسم المعرب المتمكن ، وهو «الممنوع من الصرف» ، وتدل عليه بغير خفاء ولا غموض ، واكتفوا بها ؛ لعلمهم أنها متى وجدت فى اسم معرب كانت دليلا على أنه «لا ينصرف» ، ومتى خلا منها كان فقدها دليلا على أنه من القسم الأول ؛ وهو : «المعرب الأمكن» ، أى : «المعرب المنصرف». فعلامة الاسم المعرب الذى لا ينصرف «وجودية» ، وعلامة المعرب المنصرف ، «عدمية ؛ أى : سلبية». غير أن العلامة الدالة على منع الاسم من الصرف قد تكون واحدة ، وقد تكون اثنتين معا ، لهذا كانت الأسماء الممنوعة من الصرف نوعان :
نوع يمنع صرفه فى كل استعمالاته حين توجد فيه هذه العلامة الواحدة ، ونوع يمنع صرفه بشرط أن توجد فيه علامتان معا (١) من بين علامات تسع. ومجموع النوعين أحد عشر شيئا :
__________________
(١) يعبر النحاة عن هذا بقولهم : إن الاسم يمنع من الصرف لوجود علتين فيه ، أو علة واحدة تقوم مقام العلتين.
والتعبير بعلتين ليس دقيقا ؛ لأن كل علة واحدة لا بد لها من معلول واحد ، فالعلتان لا بد لهما من معلولين حتما. فكيف يجتمع علتان على معلول واحد؟ فإن كانتا قد اشتركتا معا فى إيجاد المعلول الواحد لم تكونا علتين ، وإنما هما علة واحدة ذات جزأين اشتركتا معا فى إيجاد هذا المعلول الواحد. اللهم إلا أن يكون مرادهم علتين ، أى : عيبين.
ويقولون فى تعليل منع الاسم من الصرف كلاما لا تطمئن إليه النفس ، ولا يرتاح إليه العقل. نلخصه للمتخصصين ، لإبانة ضعفه وتهافته ، مع دعوتنا إلى نبذه وإهماله ، يقولون :
إن التنوين الأصلى خاصة من خواص الأسماء ، لا وجود له فى الأفعال ولا الحروف. وأن الحروف كلها مبنية ، وكذلك الأفعال ، إلا المضارع فى بعض حالاته. فالاسم إذا أشبه الحرف بنى (كأن يشبهه فى الوضع ، أو فى المعنى ... أو غيرهما من أنواع الشبه التى عرفناها فى صدر الجزء الأول ، باب : الإعراب والبناء). وإذا أشبه الفعل منع من الصرف ؛ لأن الفعل أقل استعمالا من الاسم وأضعف شأنا منه ؛ فلذلك حرم التنوين الذى هو علامة القوة ، والوسيلة لخفة النطق. فإذا اقترب الاسم من الفعل وشابهه فى الضعف فقد استحق مثله امتناع التنوين. أما سبب ضعف الفعل عندهم دون الاسم ـ فأمران : أحدهما : لفظى ، وهو : أن الفعل مشتق من المصدر ؛ فالفعل فرع ، والاسم أصله ، والفرع أضعف من الأصل.
ثانيهما : معنوى ؛ وهو : أن الفعل محتاج دائما ـ إلى الاسم فى الإسناد ، وليس كذلك الاسم ، فإنه قد يسند إلى اسم مثله ـ ولهذا كان الاسم أخف لكثرة استعماله ، والفعل أثقل ؛ لقلة استعماله ـ