أو غير مسبوق بها ، أو مجرورا بالحرف : «من». فلا بد فى هذا النوع من ذكر «المحذّر» ضيرا معينا ، ثم «المحذّر منه». فمثال المسبوق بالواو قول الأعرابية لابنها. (إياك والجود بدينك ، والبخل بمالك ...) ومثال غير المسبوق بها قولهم : (إياكم تحكيم الأهواء ؛ فإن عاجلها ذميم ، وآجلها وخيم. ومن أمات هواه أحيا كرامته). وقول الشاعر :
إيّاك إيّاك المراء ، فإنّه |
|
إلى الشرّ دعّاء ، وللشرّ جالب |
ومثال المجرور بمن : (إياك من مؤاخاة الأحمق ؛ فإنه يريد أن ينفعك فيضرّك.) وقولهم : (إياك من عزّة الغضب الطائش ؛ فإنها تفضى إلى ذلة الاعتذار المهين.)
وحكم هذا النوع وجوب ذكر المحذّر منه بعد الضمير «إياك» وفروعه ، ووجوب نصب هذا الضمير (١) ؛ باعتباره مفعولا به لفعل واجب الحذف مع مرفوعه ، تقديره : «أحذّر» ، والأصل : «أحذّرك». ثم أريد تقديم الكاف لداع بلاغىّ ؛ هو : إفادة الحصر ؛ فمنع من تقديمها أنها ضمير متصل لا يستقل بنفسه ، ولا يوجد إلا فى ختام كلمة أخرى. فلم يكن بدّ ـ عند إرادة تقديمه ـ من الاستغناء عنه ، والإتيان بضمير آخر منصوب ، له معناه ، ويمتاز بأنه يستقل بنفسه ، وهو الضمير : «إياك» فصار الكلام : «إياك أحذّر» ثم حذف الفعل والفاعل معا ؛ مجاراة للمأثور من الكلام الفصيح الذى يطرد فيه هذا الحذف الواجب.
أما الاسم الظاهر المذكور بعد «إياك» وفروعها فإن سبقته واو العطف وجب نصبه بفعل محذوف مع مرفوعه وجوبا. والأحسن الأيسر ـ اختيار فعل خاص به يناسبه ويساير المقام ، ويكون غير الفعل الناصب للضمير «إياك» فيجتمع فى الأسلوب فعلان محذوفان مع مرفوعيهما. ففى المثالين السابقين ـ (إياك والنميمة) ـ (إياك والتعرض للعيوب ...) يكون التقدير ؛ إيّاك أحذّر ، وأبغّض النميمة ـ إياك أحذّر ، وأقبّح التّعرض للعيوب. بمعنى : أحذرك وأبغض ... وأقبّح ...
ويصح أن يكون التقدير : إياك احفظ واحذر النميمة (٢) ـ إياك احفظ ،
__________________
(١) للحكم إيضاح يجىء فى «د وه» من الزيادة والتفصيل ص ١٣٠.
(٢) والأصل : احفظ نفسك واحذر النميمة ، أو : باعد نفسك ... و ... حذف الفعل وفاعله فصار الكلام : نفسك واحذر النميمية ، ثم حذف المضاف (نفس) وأقيم المضاف إليه (وهو : ـ