فى قول أعرابية لابنها : (إياك والنميمة (١). فإنها تزرع الضّغينة (٢) ، وتفرّق بين المحبين. وإيّاك والتّعرّض للعيوب ؛ فتتّخذ غرضا (٣) ، وخليق (٤) ألّا يثبت الغرض على كثرة السّهام ...) إلى غير هذا من العبارات والصور المتعددة التى تحقق المعنى السالف فى التحذير.
غير أنّ الكثير من الصور السالفة لا يخضع لأحكام هذا الباب. ولا تنطبق عليه ضوابطه وقواعده ؛ لأن هذه الضوابط والقواعد والأحكام ، لا تنطبق إلا على خمسة أنواع «اصطلاحية» ؛ يسمونها : «صور التحذير» الاصطلاحى ، هى ـ وحدها ـ المقصودة من هذا الباب بكل ما يحويه ، ولا سيما اشتمال كل منها على اسم منصوب يعرب مفعولا به لفعل محذوف مع مرفوعه. وفيما يلى بيان الأنواع الخمسة :
الأول : صورة تقتصر على ذكر «المحذّر منه» (وهو : الأمر المكروه) اسما ظاهرا دون تكرار ولا عطف مثيل له عليه. والمراد بالمثيل هنا ؛ محذّر منه ، آخر ؛ كتحذير الطفل من النار ؛ بأن يقال له : النار ، وكتحذيره من سيارة بأن يقال له : السّيّارة.
وحكم هذا النوع جواز نصبه بفعل محذوف جوازا هو ومرفوعه. فكلمة : «النار» أو «السيارة» يجوز نصبها على اعتبارها مفعولا به لفعل محذوف جوازا : تقديره ـ مثلا ـ احذر النار ـ احذر السيارة. والفاعل ضمير محذوف أيضا ؛ تقديره : أنت. ويجوز تقدير فعل آخر يناسب المعنى والسياق من غير تقيد بشىء فى اختياره إلا موافقة المعنى ، وصحة التركيب ، مثل : اجتنب النار ـ اجتنب السيارة ... أو : حاذر أو جانب ...
وفى كل هذه الأمثلة يصح حذف الفعل مع فاعله أو ذكرهما ، فيقال : النار ، أو اجتنب النار ... كما يصح ضبط «المحذّر منه» ضبطا آخر غير النصب ، كالرفع ؛ فيقال : النار ، على اعتباره ـ مثلا ـ مبتدأ خبره محذوف.
__________________
(١) السعى بين الناس بالإفساد.
(٢) الحقد والعداوة.
(٣) هدفا تصوّب إليه السهام.
(٤) جدير ، أمر محقق ...