على الزمان (١) ، كحينئذ ، ويومئذ ... ففى هذه الحالة لا يكون ظرفا (٢) ، ولا يكون فى محل نصب ؛ وإنما يكون مبنيّا فى محل جرّ ؛ مضافا إليه. فأمره مقصور إما على البناء فى محل نصب على الظرفية ، وإما على البناء فى محل جر بالإضافة ، ولا محل له ـ عند كثرة النحاة ـ إلا أحد هذين ؛ فلا يكون مفعولا به ، ولا بدلا ، ولا غيرهما. وأما قوله تعالى : (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ ...) وقوله تعالى : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا) فإن «إذ» ظرف لمفعول به ، محذوف ، وليست مفعولا به فى الآية الأولى ولا بدلا فى الآية الثانية. فالتقدير : واذكروا نعمة الله عليكم إذ أنتم قليل ... ـ واذكر قصّة مريم إذ انتبذت ... (أى : ابتعدت واعتزلت الناس ...) لأن المعنى على ظرفية المفعول به المحذوف ، لا على مجرد المفعولية الأخرى ؛ أو : البدلية ... فالمراد : اذكروا النعمة التى نالتكم فى زمن معين ، هو زمن قلّتكم ـ واذكروا قصة مريم فى زمن انتباذها ، وليس المراد هنا اذكروا مجرد زمن القلة ، أو : مجرد زمن الانتباذ ؛ لأن تذكر الزمن المجرد لا يفيد فى تحقيق الغرض المعنوىّ المراد هنا (٣).
__________________
(١) أوضحنا ـ فى رقم ٢ من هامش ص ٦٧ ـ أن الاسم الدال على الزمان يشمل ظرف الزمان ، (وهذا ينصب على الظرفية ، ولا يخرج عنها إلا إلى شبه الظرفية ، وهو ـ فى الغالب ـ : الجر بالحرف «من») كما يشمل كل : اسم آخر يدل على الزمان من غير ظرفية ، مثل : حين ، ولحظة ...
(٢) للسبب الذى تقدم فى رقم ٥ من هامش ص ٦١.
(٣) لا يوافق على هذا صاحب : «المغنى» ، وآخرون. فضربوا مثلا لكلمة «إذ» الظرفية بقوله تعالى عن النبى عليه السّلام : (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ...) ـ وقد سبقت هذه الآية لمناسبة هامة أخرى فى رقم ٥ من هامش ص ٨٠ ـ ول «إذ» الواقعة مفعولا به بقوله تعالى : (وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ ...) ومثل هذا يقع كثيرا فى أوائل القصص فى القرآن ؛ فتكون ـ فى رأيهم ـ «مفعولا به» لفعل محذوف تقديره : «اذكر» ، أو نحوه ... كقوله تعالى : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ ...) (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ ...) ـ (وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ ...) ول «إذ» الواقعة «بدلا» بقوله تعالى (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ. إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا) وحجتهم فى عدم إعرابها ظرفا فى الآيات السالفة أن إعرابها يقتضى الأمر بالتذكر فى ذلك الزمن الماضى ، مع أن الأمر للاستقبال ، وذلك الوقت قد مضى قبل توجيه الخطاب للمكلفين منا ؛ فيتعارضان ؛ وإنما المراد : تذكّر الوقت نفسه ، لا التذكر فيه. وخالفتهم الكثرة بأن وقوع «إذ» الزمانية «مفعولا» أو «بدلا» أو شيئا آخر غير الظرف والمضاف إليه ـ ليس مسموعا عن العرب. وطال الجدل بين الفريقين.
والحق أن «إذ» قد تكون «مفعولا به» إذا كان المراد وقوع أثر العامل عليها ، لا فيها. وقد يكون ـ