كالذى فى قوله تعالى : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ) ، لأن الزمن الذى رفعت فيه القواعد كان سابقا على نزول الآية بما اشتملت عليه من مضارع وغيره. فلو وضع الماضى الحقيقى الزمن هنا مكان المضارع ما تغير المعنى (١) ...
وسبب هذا الوجوب أن «إذ» ـ فى الأغلب ـ ظرف للزمن الماضى المبهم ؛ فيجب أن يماثلها المضاف إليه فى نوع الزمن : كى لا يقع بينهما تعارض ، وأن يماثلها عاملها أيضا ؛ ولهذا قالوا : (إن الجملة المضارعية لا تقع «مضافا إليه» بعدها ، إلا حين يكون المضارع ماضى المعنى ، فيكون فى ظاهره مضارعا وفى معناه ماضيا (٢) ؛ ... كالآية ، وأن عاملها لا بد أن يكون دالا على الماضى ؛ إذ لا يعمل فيما يدل على الماضى إلا مثله).
هذا إن أضيفت لجملة فعلية ، أما إن أضيفت لجملة اسمية فيجب ـ وقيل : لا يجب ، وإنما يستحسن ـ أن يكون معنى هذه الجملة الاسمية قد تحقق قبل النطق بها ، أو أنه سيتحقق فى المستقبل على وجه لا شك فيه (٣). ومن المستقبح ـ وقيل : من الممنوع ـ أن يكون خبر المبتدأ فى هذه الجملة الاسمية ـ
__________________
(١ و١) الأغلب أن «إذ» ظرف للماضى المبهم ، وقد تكون ـ على الأصح ـ هى ونظيراتها ، ظرفا للزمن المستقبل بمعنى : «إذا» حين تقوم القرينة الدالة عليه ؛ كالتى فى قوله تعالى : (الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ ، وَبِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا ، فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ؛ إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ ، يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ ...) فكلمة «إذ» فى الآية ظرف للمستقبل بمعنى : «إذا» التى للظرف المستقبل ، بقرينة أن الوصف ليوم القيامة ، وبقرينة المضارع قبلها. أو يقال فى الآية ونظائرها : لما كان المعنى بعدها محقق الوقوع. ـ اعتبروا زمنه بمنزلة الماضى تأويلا ، فهو من تنزيل المستقبل المضمون تحققه منزلة الماضى ، ويلجئون إليه لسبب بلاغى ؛ هو : القطع بأنه آت لا محالة. وغاية الرأيين واحدة. وعلى هذا تكون «إذ» الظرفية للزمن الماضى إما حقيقة لفظا ومعنى ، أو معنى فقط ، وإما تأويلا حين يكون المضاف إليه جملة مضارعية زمنها مستقبل ، ومعناها مضمون الوقوع ، أو جملة اسمية مضمونة التحقق. أو نقول : إنها بمعنى : «إذا» فى هاتين الحالتين. (انظر «ج» ص ٨٥ و «ه» من ص ٨٧).
(٢) ولو تأويلا ، بأن يكون معناه محقق الوقوع ، لا شك فى أنه سيتحقق حتما ـ طبقا لما سبق فى رقم ١ ـ كآية الروم ، (وهى مذكورة بتمامها فى رقم ٣ من هامش الصفحة الآتية) وتتضمن أنهم غلبوا ، ولكنهم سيغلبون بعد ذلك فى بضع سنين. ثم قال : «ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله» ، أى : ويوم إذ يغلبون. والمضارع هنا سيتحقق معناه فى المستقبل ، لأن خبر الله عن شىء مستقبل لابد أن يتحقق.