ومن الأمثلة قوله تعالى لأهل الجنة : (فَكُلُوا مِنْها ـ حَيْثُ شِئْتُمْ ـ رَغَداً): وقول الشاعر:
وقد يهلك الإنسان من باب أمنه |
|
وينجو بإذن الله من حيث يحذر (١) |
وقول بعض الأدباء : «هنا تطيب الحياة ، حيث الشمل ملتئم ، وفيض الود غامر ، وحيث الجمع مؤتلف ، وإخوان الصفاء كثير».
وهى فى كل أحوالها مبنية على الضم ؛ لما تقرّر من أن الاسم الذى يضاف للجملة وجوبا يبنى وجوبا كذلك (٢) ، ولا يجوز قطعها عن الإضافة لفظا.
ويبيح فريق من النحاة إضافتها للمفرد مع بقائها مبنية على الضم ؛ نحو : أنا مقيم حيث الهدوء ، وحيث الاطمئنان. وحجته أن الأمثلة المسموعة الدالة على إضافتها للمفرد أمثلة فصيحة ، وأنها على قلتها كافية للقياس عليها لأنها قلة نسبية ، وليست قلة ذاتية ، (٣) ولا داعى عنده لتأويل تلك الأمثلة (٤) ، أو الحكم
__________________
(١) ومثل هذا قول الآخر يصف حبه ووفاءه :
تغلغل حيث لم يبلغ شراب |
|
ولا حزن ، ولم يبلغ سرور |
(٢) لهذا الحكم بيان خاص بالظرف : «إذ» يجىء فى ص ٨٣.
(٣) أشرنا (فى رقم ١ من الهامش ص ٦٥) وفى ص ٥٨٥ ج ٤ م ١٧٢ إلى : «القلة النسبية والقلة الذاتية» ، ـ (وكذا فى مواطن متفرقة من أجزاء الكتاب ومنها ص ٤٢٢ م ٩٠ ج ٢). ـ وقلنا عن الأولى : إنها قلة من الأساليب الصحيحة تواجه كثرة من تلك الأساليب تخالفها فى حكم. وكلا للنوعين فى ذاته كثير العدد ، يصح محاكاته والقياس عليه ، ولكن أحدهما أكثر عددا من الآخر ؛ فالآخر قليل بالنسبة للأكثر. فالموازنة العددية بينهما تدل على زيادة أحدهما ونقص الآخر عنه ، ولكنه نقص لا يمنع من القياس عليه أو محاكاته ؛ وهذا هو المراد من قولهم : «(إن التخريج على القليل إذا كان قياسيا فصيحا ، سائغ)» ا ه ـ راجع حاشية الصبان ، ج ٢ باب : «الحال» عند الكلام على تقدم الحال على صاحبها المجرور ...
أما «القلة الذاتية» فقلة عددية أيضا : ولكنها بارزة واضحة فى ذاتها ، لا تحتاج إلى موازنة بينها وبين غيرها ؛ لضآلتها العددية ؛ بحيث يمكن الحكم سريعا بعدم صلاحيتها للقياس عليها أو لمحاكاتها. ـ انظر ص ٣٢٥ ـ والحق أن تحديد هذه القلة الذاتية موضع خلاف شديد حتى اليوم. ـ وسيجىء فى ج ٤ ص ٥٨٥ باب جمع التكسير ، م ١٧٢ بيان مفيد عن معنى المطرد ، والكثير ، والأكثر ، والقياس ، والقليل ، والنادر ، والشاذ ، وما يقاس عليه وما لا يقاس.
(٤) ومن الأمثلة المسموعة. قول الشاعر :
أما ترى حيث سهيل طالعا |
|
نجم يضىء كالشهاب لامعا |
وقول الآخر :
ويطعنهم تحت الحبا بعد ضربهم |
|
ببيض المواضى حيث لّى العمائم |