ماضوية على جملة مثلها؟ بخلاف العطف فى قوله تعالى عن الكافرين : (وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ ...) حيث يتعين أن يكون عطف جملة ماضوية على جملة ماضوية ، لوجود فاعل غير مستقل هو الضمير المتصل ـ لكل فعل ماض منهما (١) ...
ومما سبق يتبين الفرق اللفظى بين عطف الفعل على الفعل وعطف الجملة الفعلية على الفعلية (٢) ، وهو فرق دقيق خفى على بعض العلماء المشتغلين بالنحو قديما ، فقد نقل عن أحدهم قوله : إنى لا أتصور لعطف الفعل على الفعل مثالا ؛ لأن نحو : قام علىّ وقعد حامد (٣) ـ يكون فيه المعطوف جملة لا فعلا ، وكذا : قام وقعد علىّ ، لأن فى أحد الفعلين ضميرا ؛ فيكون فاعلا له ، ويكون الاسم الظاهر فاعلا للآخر ؛ ففى الكلام جملتان معطوفتان. فقيل له : ماذا ترى فى مثل : يعجبنى أن تقوم وتخرج ؛ بنصب المضارعين ، وفى مثل : لم تقم وتخرج ؛ بجزمهما. وفى مثل : يعجبنى أن يقوم محمود ويخرج حليم ، وفى مثل : لم يقم محمود ويخرج حليم ...؟ فالفعل فى الأمثلة
__________________
(١) ولهذا السبب نفسه يتعين أن يكون العطف عطف جملة مضارعيه على جملة مضارعيه فى قوله تعالى : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً ؛ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ ، وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ..) ـ لوجود فاعل غير مستقل هو ضمير متصل لكل من المضارعين : ينفقون ويتبعون. وفى الآية أنواع أخرى من العطف.
(٢) ستجىء لهذا إشارة فى «البدل» أيضا ، ص ٦٦١.
(٣) وقد اجتمع عطف الفعل وحده على الفعل وحده ، وعطف الجملة المضارعية على المضارعية فى قوله تعالى يخاطب المؤمنين الأولين فى أمر أهل النفاق والغدر ونقض العهود ؛ فيقول : (قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ ، وَيُخْزِهِمْ ، وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ ، وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ، وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ.) (وَيَتُوبُ اللهُ عَلى مَنْ يَشاءُ ...) فقد جزمت الأفعال : (يخز ـ ينصر ـ يشف ـ يذهب) لأنها معطوفة على المضارع «يعذب» المجزوم فى جواب الأمر. أما المضارع «يذهب» فمرفوع ؛ لأنه مع فاعله معطوف على المضارع «يعذب» مع فاعله ، فهو عطف جملة مضارعية على مضارعية ، ولا يصح أن يكون عطف مضارع وحده على مضارع وحده ؛ وإلا وجب أن يكون المعطوف مجزوم اللفظ كالمعطوف عليه. هذا ، ويصح أن تكون الواو للاستئناف ، لا للعطف.