هو : أنها شاء (١) ، وأراد أن يستوثق من رأيه الجديد ، فقال : (إنها لإبل ، أم شاء)؟ يريد : إنها لإبل ، بل أهى شاء؟ والهمزة داخلة على مبتدأ محذوف ، لأن «أم» المنقطعة لا تدخل ـ فى الغالب ـ إلا على جملة ـ كما أسلفنا (٢) ـ.
وقد تفيد مع الإضراب استفهاما إنكاريّا (٣) بغير أن تسبقها أداة استفهام ؛ كقوله تعالى : (أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ)، أى : بل أله البنات ولكم البنون؟ لأنها لو كانت للإضراب المحض الذى لا يتضمن الاستفهام الإنكارى لكان المعنى محالا ، إذ يترتب عليه الإخبار بنسبة البنات إلى المولى جل شأنه.
وقد تتجرد للإضراب المحض الذى لا يتضمن استفهاما مطلقا ؛ لا حقيقيّا ولا إنكاريّا ؛ كالأمثلة الأولى (٤) التى منها قوله تعالى : (هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ؟ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ)، أى : بل هل تستوى الظلمات ؛ ولا يصح أن يكون التقدير : بل أهل تستوى الظلمات ، لأن أداة الاستفهام لا تدخل على أداة استفهام ـ كما أسلفنا (٥). ـ
ومثل الآية فى الإضراب المحض قول الشاعر :
فليت سليمى فى الممات ضجيعتى |
|
هنالك أم فى جنة (٦) أم جهنم |
__________________
(١) جمع شاة ، وهى الواحدة من الغنم ، تقال للمذكر والمؤنث. ويرى بعض النحاة : أن كلمة : «شاء» جمع لا واحد له من لفظه. ولا داعى للعدول عن الرأى الأول.
(٢) فى ص ٥٩٧.
(٣) الاستفهام الإنكارى ويسمى : «الإبطالى» هو : ما كان مضمونه غير واقع ، ولا يمكن أن يحصل ، ومدعيه كاذب ، وهو بمعنى النفى ، فأداته بمنزلة أداة النفى ، والكلام الذى دخلت عليه منفى ، كقوله تعالى : (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً) ـ وقد سبقت الإشارة إليه فى ج ٢ ص ٢٣٤ م ٨١.
(٤) وبعضها فى صفحتى ٥٩٨ و٥٩٩.
(٥) فى رقم ١ من هامش ص ٥٩٨ .. ومثل هذا يقال فى بيت قتيلة بنت النضر ترثى أباها المقتول :
فليسمعنّ النضر إن ناديته |
|
أم كيف يسمع ميّت لا ينطق |
(٦) لما كانت «أم» المنقطعة غير عاطفة فى الرأى الأرجح ، وأنها حرف ابتداء للإضراب ـ ـ لا يدخل إلا على جملة ، وجب إعراب «فى جنة» متعلقة بمحذوف ، والتقدير : ليتها ضجيعتى فى جنة ، ووجب لهذا أيضا تقدير الحرف : «فى» قبل «جهنم». هذا ، وفى بعض الروايات : «فى المنام» بدلا «من الممات» التى هى أكثر مسايرة لمعنى لبيت وما فى آخره من جنة وجهنم.