هذا رأى المانعين. وفيه ما فيه من إرهاق وتعسير بغير طائل ؛ لأن المعنى واضح على البدلية ؛ كوضوحه على عطف البيان ، وليس أحدهما أبلغ من الآخر ، ولا أكثر تداولا واستعمالا ، ولا مخالفا لأصل لغوى واقعىّ. ففيم الحذف ، والتقدير ، والنية ، والملاحظة ...؟ وبخاصة مع ما سجله النحاة فى هذا الباب ـ وغيره ـ من أنه قد يغتفر فى الثوانى ما لا يغتفر فى الأوائل ؛ أى : قد يغتفر فى التابع ما لا يغتفر فى المتبوع (١). وذكروا لتأييد هذا أمثلة كثيرة فصيحة. فليس من ضرر مطلقا ألا يصلح العامل فى بعض المواضع لوقوعه قبل التابع ، كهذا الموضع. إنما الضرر فى عدم صحة وقوعه قبل المتبوع وحده. فلم العناء؟ وفيم التعسير؟
__________________
ـ وصالحا لبدليّة يرى |
|
فى غير نحو : يا غلام يعمرا |
ونحو : بشر تابع البكرىّ |
|
وليس أن يبدل بالمرضىّ |
يريد : أن عطف البيان يصلح للبدلية فى غير الصورة التى تشبه فى تركيبها : يا غلام يعمر ـ علم شخص ـ والألف الأخيرة زائدة للشعر ـ) حيث وقعت «يعمر» منصوبة مراعاة لمحل المنادى المبنى على الضم فى محل نصب. فلو أعربت : «يعمر» بدلا ـ لكان التقدير : يا غلام يا يعمر ؛ على نية تكرار العامل ؛ فتنصب الكلمة مع أن نصبها مع ندائها غير جائز ؛ فيتعين إعرابها عطف بيان ، فرارا من هذا الخطأ.
ويشير إلى المسألة الثانية بكلمة «بشر» التابعة لكلمة : «البكرى» فى قول الشاعر «المرار الفقعسى):
أنا ابن التارك البكرىّ بشر |
|
عليه الطير ترقبه وقوعا |
فالتابع هو : «بشر» والمتبوع هو : «البكرى» المضاف إليه ، المقترن «بأل» والمضاف الذى إضافته غير محضة هو : التارك (من إضافة الوصف لمفعوله) فيتعين عندهم إعراب كلمة : «بشر» ، عطف بيان ، إذ لو أعربت «بدلا» لكان التقدير على نية تكرار العامل هو : «أنا ابن التارك البكرى ، التارك بشر» ، فيضاف الوصف المقرون بأل إلى غير المقرون بها وغير الصالح هنا ، وأن يكون مضافا إليه. وهذا غير جائز فى الإضافة غير المحضة. وللفرار من هذا تعرب عندهم : «بيانا».
(١) راجع حاشية الأمير ج ١ فى الكلام على الحرف : «رب» ووجوب تنكير مجروره. وكذلك «الهمع» ج ١ ص ٢١٥ عند الكلام على : «لدن» ، والصبان : ح ٤ ـ باب عوامل الجزم ـ عند الكلام على نوع فعلى الشرط والجواب ، بل إن الصبان (ج ٢ باب الإضافة ، عند الكلام على «أىّ») ينقل النص التالى : «إنا نقول : يغتفر كثيرا فى الثوانى ما لا يغتفر فى الأوائل» فيصرح بأن هذا الاغتفار كثير.