نعم قد تكون التفرقة بينهما سائغة فى بعض صور ، ولكن من ناحية أخرى دقيقة غير تلك التى تصدى لها المانعون ؛ هى أن لعطف البيان غرضا معنويّا هامّا ؛ هو : إيضاح الذات نفسها ، أو تخصيصها على الوجه الذى شرحناه (١) أما بدل الكل فله غرض آخر يختلف عن هذا تماما ؛ هو الدلالة على ذات المتبوع بلفظ آخر يساويه فى المعنى ؛ بحيث يقع اللفظان على ذات واحدة ، وفرد معين واحد فى حقيقته ـ كما سيجىء فى بابه ـ ولا يضر أن يختلفا فى المفهوم بعض الاختلاف اليسير ما دامت حقيقة الذات المقصودة واحدة ؛ كالاختلاف الذى فى نحو عرفت سعيدا أخاك (٢) ، ولا شأن لبدل الكل بالإيضاح والتخصيص ، فحيث اقتضى المقام إيضاح حقيقة الذات أو تخصيصها ـ والإيضاح والتخصيص هنا ذاتيان ، (أى : يقعان وينصبان على الذات) ـ فاللفظ عطف بيان ليس غير ، بشرط أن تجتمع فيه بقية الشروط الواجبة فى عطف البيان ، ومنها : مطابقته للمتبوع فى الأمور الأربعة السالفة ؛ ولهذا كانت كلمة : «سيد» الثانية عطف بيان فى قول الشاعر:
إذا سيد منّا مضى لسبيله |
|
أقام عمود الدين آخر سيد |
وحيث اقتضى المقام الدلالة على ذات المتبوع نفسها بلفظ آخر يساويه تماما فى المدلول فاللفظ «بدل كل من كل» ، وبخاصة إذا فقد اللفظ شرطا من شروط عطف البيان.
هذه هى ناحية التفرقة الحقة التى يجب الاقتصار عليها ؛ نزولا على أحكام اللغة ، وتقديرا لخصائصها ، وكشفا لأسرارها ، بل إن هذه التفرقة نفسها قد يمكن رفضها (٣).
__________________
(١) فى ص ٥٤٢ وفى رقم ٢ من هامش ص ٥٤٤. وانظر البيان كاملا فى ص ٦٧٩.
(٢) فذات «الأخ» هى ذات «سعيد» ؛ إلا أن كلمة «أخ» تشعر فى الوقت نفسه بمعنى زائد ، هو : «الأخوة» التى لا تشعر بها كلمة «سعيد» ، ولكن هذا المعنى الزائد غير مقصود مطلقا فى عطف البيان ، إذ لو قصد لصارت الكلمة نعتا مؤولا بالمشتق. والفرق كبير فى المعنى والحكم بين النعت وعطف البيان.
(٣) وهى تفرقة دقيقة لا تكاد تدرك ، وغير مقصودة ـ كما أوضحنا فى هامش الصفحة السالفة. ـ