لهذا (١) ـ ولا داعى للأخذ بالرأى الذى يبيح استعمالها توكيدا فى الصورة السالفة التى تضاف فيها لاسم ظاهر مماثل لما قبلها على الوجه الذى شرحناه (٢) ، لأن فى الأخذ به خروجا على الكثير الفصيح من كلام العرب الذى يضيفها عند التوكيد إلى ضمير مطابق للمؤكّد (المتبوع) ـ أما المضافة للظاهر فلها معنى آخر ، وتأويل مغاير ، كما رأينا.
«ملاحظة» : يقول الصبان فى هذا الموضع من باب : «التوكيد» ما نصّه :
(«اعلم أنّ «كلّا» وشبهها فى إفادة شمول كل فرد ، إن كانت داخلة فى حيّز النفى ـ بأن أخّرت عن أداته لفظا ؛ (نحو : «ما كلّ ما يتمنى المرء يدركه ...» ، وما جاء كل القوم ، وما جاء القوم كلّهم ، ولم آخذ كلّ الدراهم ، ولم آخذ الدراهم كلّها ...) أو رتبة ؛ (نحو : كلّ الدراهم لم آخذ ، والدراهم كلها لم آخذ ...) توجّه النفى إلى الشمول خاصة ، وأفاد سلب العموم. وإلا بأن قدّمت على أداته لفظا ورتبة توجّه النفى إلى كل فرد ، وأفاد عموم السّلب ؛ كقوله عليه الصلاة والسّلام : «... كل ذلك لم يكن ...». وكالنفى النهى. قال التفتازانى : «والحقّ أن الشق الأول أكثرىّ لا كلىّ ؛ بدليل قوله تعالى : (وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ.) وقوله : (وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ.) ـ وقوله : (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ.) ا ه. كلام الصبان.
وأما «كلا» و «كلتا» فيكثر ـ عند فقد المؤكّد ـ وقوعهما بعد عامل الابتداء ، ويقل بعد غيره (فهما من هذه الناحية مثل : «كلّ») ؛ فمثال الأول : الحاضران كلاهما (٣) نابه ـ الحاضرتان كلتاهما نابهة ... ومثال الثانى ما قاله بعض الأعراب وقد خير بين شيئين : «كليهما وتمرا». يريد : أعطنى كليهما وتمرا (٤). وفى هذه الصور وأشباهها يفيدان معنى التوكيد ، لكن لا يصح إعرابهما توكيدا.
وأما «نفس» و «عين» فالصحيح ـ عند فقد المؤكّد وقوعهما معمولين
__________________
(١) فى رقم ١ من هامش ص ٤٦٣ وقد تقدم فى باب النعت (ص ٤٨٦ و٤٨٧) شرح القطع بيان أحكامه.
(٢) فى هامش ص ٥٠٢.
(٣) كلا : مبتدا ، مضاف ...
(٤) كما جاء فى معجم : «لسان العرب».