لاحتمال التخاصم من أحدهما دون الآخر ؛ لأن التخاصم لا يتحقق معناه إلا بوقوعه من اثنين حتما ؛ فلا فائدة من صيغة التوكيد هنا ، ومثله : تقاتل اللصانّ ، وتحارب العدوان ، وأشباه هذا من كل ما يخلو من الاحتمال ، ويدل على «المفاعلة» الحقيقية ، أى : المشاركة الحتميّة بين شيئين ...
* * *
الثالث :
نوع يراد منه إفادة التعميم الحقيقى المناسب لمدلوله المقصود ، وإزالة الاحتمال عن الشمول الكامل. وأشهر ألفاظه ثلاثة : (كلّ ـ جميع ـ عامّة). وأقواها فى التوكيد ، وأكثرها أصالة ، هو : كلّ ، ثم جميع ، ثم عامة ـ نحو : قرأت ديوان المتنبى كلّه ، واستوعبت قصائده كلّها. فلو لم نأت بكلمة : «كلّ» لكان من المحتمل أن المراد من المقروء ومن المستوعب ، هو : الأكثر ، أو الأقل ، أو النصف ، أو غير ذلك ؛ إذ ليس فى الكلام ما يدل على الإحاطة الكاملة ، والشمول الوافى. فمجىء لفظ : «كلّ» (١) منع ـ فى الأغلب ـ الاحتمالات ، وأفاد الإحاطة والشمول بغير مبالغة ولا مجاز (٢) ...
ومثل هذا : غردت العصافير جميعها لاستقبال الصبح. فلو لم تذكر كلمة : «جميع» لكان من المحتمل أن المراد هو تغريد أكثرها ، أو بعض منها ... إذ ليس فى الكلام ما يقطع بالدلالة على الإحاطة والشمول ، فلما جاءت كلمة : «جميع» أزالت ـ فى الأغلب ـ الاحتمال ، وأفادت العموم القاطع.
ومثلها كلمة : «عامة» (والتاء فى آخرها زائدة لازمة لا تفارقها فى إفراد ، ولا فى تذكير. ولا فى فروعهما. وهى للمبالغة ، وليست للتأنيث) ، تقول : حضر الجيش عامّته ـ حضر الجيشان عامّتهما ـ حضر الجيوش عامّتهم ـ حضرت الفرقة عامّتها ـ حضرت الفرقتان عامّتهما ـ حضرت الفرق عامّتهن ...
حكمها :
لابد فى استعمال كل لفظ من هذه الثلاثة فى التوكيد أن يسبقه المؤكّد ، وأن
__________________
(١) «كل» المستعملة فى التوكيد قد تفيد الدلالة على «الكل المجموعى» أو : «الكل الجميعى» طبقا للبيان الآتى فى رقم ٦ من هامش ص ٥١٢ وهى فى الحالتين تختلف فى معناها وحكمها عن كلمة : «كل» المستعملة نعتا. والتى سبق الكلام عليها فى رقم ٤ من ص ٤٦٦.
(٢) انظر «الملاحظة» التى فى ص ٥١٥ بشأن المراد من «الشمول» وأحواله فى الألفاظ الدالة عليه ؛ مثل : كل ـ جميع ـ عامة ...