__________________
ـ فهو يريد : أن كلمة «ضربا) هى المسمى اللفظى المجازى لكلمة : «مصدر. ومقتضى هذا أن كلمة. «مصدر» اسم له مدلولان أو مفهومان ، وإن شئت فقل : له مسميان ، أحدهما : معنوى محض ؛ هو الحدث المجرد ، وهذا الحدث هو المسمى الحقيقى ـ لا المجازى ـ لكلمة : مصدر. والمسمى الآخر لفظى ؛ هو اللفظ الذى ننطق به ، أو نكتبه ، والذى نقول فى إعرابه : إنه مصدر منصوب ، وهو المصدر المجازى المراد منه المصدر الحقيقى المعنوى ـ ثم قال بعد ذلك :
(واسم المصدر اسم للمعنى الصادر عن الإنسان وغيره ؛ كسبحان ؛ المسمى به : «التسبيح» الصادر عن الشخص المسبّح ـ مثلا ـ لا لفظ التاء ، والسين ، والباء ، والياء ، والحاء ، بل المعنى المعبر عنه بهذه الحروف ، ومعناه البراءة والتنزيه) ا ه ـ راجع ياسين على التصريح ـ
ويفهم مما سبق أن اسم المصدر كالمصدر المجازى السالف ؛ كلاهما يدل مباشرة على الحدث المجرد من غير واسطة. ولكن كثيرا من المحققين يقولون إن اسم المصدر يدل مباشرة على لفظ المصدر لا على الحدث المجرد ، وأن دلالته على لفظ المصدر تؤدى ـ تبعا ـ إلى الدلالة على معنى المصدر ، وبذا تكون دلالته على الحدث المجرد دلالة غير مباشرة ، وإنما هى بالواسطة ؛ إذ هى من طريق المصدر.
(راجع الخضرى والصبان فى هذا الموضع من الباب).
ومن أوضح أسماء المصادر كل اسم يدل على معنى مجرد ، وليس له فعل من لفظه يجرى عليه ؛ كالقهقرى ؛ فإنه لنوع من الرجوع ، ولا فعل له ـ فى المشهور ـ يجرى عليه من لفظه. وكذلك كل اسم يدل على معنى مجرد ، ويجرى على وزن مصدر الثلاثى ، مع أن الفعل المذكور معه فى الجملة غير ثلاثى ؛ مثل : توضأ وضوءا ، وأعان عونا ، وما شابههما من الوارد المسموع ـ كالشأن فى جميع أسماء المصادر فإنها مقيدة بالسماع ـ.
بقيت مسألة هامة ، تتلخص فى : أن بعض الباحثين المحققين ينكر وجود قسم مستقل يطلق عليه : «اسم المصدر». وحجته : ما سبق هنا ، وأن تعريف المصدر الأصيل ينطبق عليه. وهذا رأى قوىّ ودفعه عسير. ومسألة أخيرة : (أشرنا إليها فى ص ١٨٣) ، نوردها بمناسبة دلالة المصدر ـ فى الغالب ـ على شىء واحد من شيئين يدل عليهما الفعل ؛ فإن هذه الدلالة تثير سؤالا : أيهما أصل للآخر؟ فالبصريون يقولون : المصدر. ويحتجون بأدلة ، أقواها : أنه يدل على شىء واحد ؛ هو : المعنى المجرد ؛ فهو «بسيط». والفعل الماضى يدل على شيئين ؛ المعنى والزمن ؛ فهو مركب. و «البسيط» أصل المركب. والكوفيون يقولون : الفعل الماضى هو الأصل الذى يدخله بعض التغيير. فتتفرع منه المشتقات ؛ لأنه يدل على ما يدل عليه المصدر وزيادة ؛ والذى يتضمن غيره والزيادة عليه يعد أصلا له.
وهذا ـ وغيره مما ذكره الفريقان ـ لا يعدو أن يكون أدلة جدلية دفاعية ، لها طلاوة الجدل القوى ، وليس لها قوة الحجة المنطقية ، ولا صحة البرهان. إذ ليس لدينا فى المشتقات الكثيرة المسموعة عن العرب ما يدل من قرب أو بعد على الأصل الذى تفرع منه هذا المشتق. أما المسألة فى واقعها فليست إلا مجرد اصطلاح محض. غير أن كلمة : «المصدر» فى أصلها اللغوى معناها : «الأصل» وقد شاعت بهذا المعنى بين أكثر النحاة. وأطلقوها اصطلاحا على أنها أصل للفعل وللمشتقات كلها. فلا ضرر من الأخذ بهذا. والاقتصار عليه.