__________________
ـ فى «المصباح المنير» ، ما : «خلف» ـ ونصه : «(عدم السماع لا يقتضى عدم الاطراد مع وجود القياس.)» ا ه. وأقوى من هذا كله ما دونه أبو البركات بن الأنبارى ـ المتوفى سنة ٥٧٧ ه ـ فى كتابه : «لمع الأدلة ، فى أصول النحو» (الفصل الحادى عشر ص ٩٥) وفى مطلعه يقول ما نصه : «(اعلم أن إنكار القياس فى النحو لا يتحقق ، لأن النحو كله قياس ؛ ولهذا قيل فى حده : «النحو علم بالمقاييس المستنبطة من استقراء كلام العرب ؛ فمن أنكر القياس فقد أنكر النحو. ولا نعلم أحدا من العلماء أنكره ؛ لثبوته بالدلائل القاطعة ، والبراهين الساطعة ...)» ا ه. وقد رأى المجمع اللغوى الاعتماد على ما قاله ابن جنى وعلى أدلته فى كثير من المسائل الأخرى ـ كما فى (ج ١ ص ٢٢٦) من مجلته. ومن القائلين بقياسية المصدر : الزمخشرى ، ومكانته فى العلوم العربية والشرعية معروفة (راجع كلامه ص ١٣ من كتاب «القياس والسماع ، لأحمد تيمور).
لكل هذا لم يكن مقبولا رأى «سيبويه» ومن انضم إليه قديما وحديثا ، مخالفين رأى «الفراء» ومن وقف إلى جانبه ؛ إذ يرى سيبويه أن الضوابط التى تحدد وتضبط مصادر الفعل الثلاثى لا يصح استخدامها قياسا مطردا قبل الرجوع إلى السماع ، ويجب الاقتصار على المسموع وحده بعد البحث عنه والعثور عليه. وإنما تستخدم الضوابط والأقيسة للوصول إلى المصدر حين لا يكون للفعل مصدر مسموع من العرب ، فإذا ورد فعل لم يعرف عن العرب كيف نطقوا بمصدره جاز استخدام القياس بتطبيق الضابط والقاعدة. أما مع ورود المصدر المسموع المعروف فلا يجوز ؛ لأننا مقيدون «بالمصدر» الذى نطقت به العرب الخلّص ، وعرفناه عنهم ، ولا داعى معه لخلق مصدر جديد لم ينطقوا به نصا.
وهذا رأى غريب يعوق الانتفاع باللغة ، ويسلمها إلى الجمود والتخلف. وأعجب من هذا ، وأوغل فى الغرابة أن يكون هناك رأى آخر يحرم استخدام الصيغ القياسية مطلقا (أى مع وجود أخرى سماعية أو عدم وجودها ، وسيجىء فى ص ٢٩١). والفراء وأنصار رأيه يخالفون. ولعل أظهر حججهم أن فى رأى سيبويه إعناتا من غير داع ؛ لأن القاعدة ـ أى قاعدة ـ إنما هى حكم عام مستنبط ، كما شرحنا ـ من الكثير الوارد عن فصحاء العرب ، وضابط منتزع من الغالب الذى استعملوه. فكيف يراد منا أن نمتنع عن القياس على ذلك الكثير حين يوجد ما يخالفه ولو كان شاذا ، وأن نقتصر على هذا المخالف وحده ، دون استخدام القياس الذى يجرى على نهج الكثير الفصيح المخالف له؟ كيف يتحتم علينا استعماله ولو كان شاذا ، ويحرم علينا صوغ ألفاظنا وعباراتنا على النهج الغالب فى كلام العرب الخلّص مع علمنا أن الشاذ هو القليل النادر فى كلامهم؟ ومع علمنا ـ كما تقدم ـ أن ما قيس على كلام العرب فهو من كلام العرب ؛ كما سجله ابن جنى فى المراجع السابقة ، وكما يقرره جمهرة النحاة فى مراجعهم ، ومنه ما نقله الهمع ـ فى باب الحال ج ١ ص ٢٤٧ ـ عن أبى حيان ونصه : (إنما نبنى المقاييس العربية على وجود الكثرة.) ـ كما سيأتى هنا ـ وما نقله أيضا ـ فى باب التصريف ج ٢ ص ٢١٧ ـ من مذاهب القياس وفيها يقول ما نصه : (المذهب الثالث : التفصيل بين ما تكون العرب قد فعلت مثله فى كلامها كثيرا واطرد فيجوز لنا إحداث نظيره ، وإلا فلا ...). ا ه. ـ