__________________
ـ ولا تأنيث ، ولا تذكير ، ولا علمية ، ولا شىء أكثر من ذلك المعنى المجرد. والمعانى المجردة كثيرة ، لا تكاد تحصر ، والحاجة إلى استعمالها شديدة. ومن العسير على غير العرب الأوائل معرفة المصدر الصحيح للفعل ، والاهتداء إليه بين غيره من المصادر الأخرى الكثيرة المتنوعة. بل إن العرب الأوائل ـ وهذا أمر يجب التنبه له ـ نطقوا المصادر بفطرتهم ارتجالا ، دون أن يعرفوا أسماءها الاصطلاحية ، وأحكامها المختلفة ، ونحو هذا مما وضع عند تدوين العلوم العربية ، ولا سيما النحو.
فلوضع ضوابط للكشف عن هذا المصدر ، والاهتداء إليه فى يسر وسهولة وتوفيق ، عكف اللغويون والنحويون ـ منذ عصور بعيدة ـ على فصيح الكلام العربى المأثور ، وعرضوا للمصادر الواردة بأكثره خلال ما عرضوا له من المسائل ، ودرسوها دراسة وافية من نواحيها المختلفة ، وبذلوا فيها الجهد ـ كعادتهم ـ مصممين أن يصلوا من وراء هذه الدراسة الصادقة المضنية إلى تجميع أكثر المصادر الواردة ، واستخلاص ظواهرها وخواصها ، ثم تصنيفها أصنافا متماثلة ، لكل صنف أوصافه وخصائصه التى ينفرد بها ، وتشترك فيها أفراده واحدا واحدا ، دون غيرها ، بحيث يصح أن ينطبق على كل صنف عنوان خاص به ، تندرج تحته أفراده ، ولا يشاركها فيه أفراد صنف آخر ، له عنوانه الخاص ، وله أوصافه وخصائصه التى تغاير ذاك. كما هو الشأن فى كل القواعد والضوابط العلمية.
وقد نجحوا فيما أرادوا. فجمعوا المصادر المأثورة جمعا حميدا ـ قدر استطاعتهم ـ ثم صنفوها ، ونوعوها ، وجعلوا لكل صنف ونوع قواعد وضوابط مركزة ؛ تضم تحتها أفراده الكثيرة ، المبعثرة ، وتنطبق عليها وعلى نظائرها مما نطق به العرب ، وما ستنطق به ـ قياسا على ما نطقت به العرب ـ أجيال قادمة لاعداد لها من خلفائهم ؛ فهذا صنف لمصدر الثلاثى المتعدى ، وهذا صنف آخر لمصدر الثلاثى اللازم. وكلاهما قد يكون دالا على حركة ، أو صوت ، أو غيرهما ... ـ وصنف ثالث لمصدر الرباعى أو الخماسى ... و ... والعارف بتلك الضوابط والقواعد يستطيع أن يهتدى إلى صيغة «المصدر الأصلى» الذى يريده فى سرعة وتوفيق.
ونخلص من هذا إلى أمرين هامين :
أولهما : أن تلك الضوابط والقواعد التى وضعوها ، وحصروا بها أنواع المصادر ، وأوزانها ، ونسقوا صنوفها ، ونظموا استعمالها ـ مستنبطة من أكثر الكلام العربى فصاحة ، وصحة ، وشيوعا ؛ فتطبيقها مباح لكل عارف بها ، محسن لاستخدامها ، من غير أن يلزمه أحد الرجوع إلى أصولها الأولى التى استنبطت منها ، (وهى ؛ المصادر الواردة فى الكلام العربى الأصيل) ؛ فإن هذا الرجوع عبث واضح ، وجهد ضائع بعد أن استنفد الأئمة والعلماء جهدهم فى استنباط قواعدهم وضوابطهم من ذلك الكلام الفصيح ، وانتزعوا أحكامهم من أصيله الغالب ، فى دقة وحيطة ، وبالغ أمانة. فالعمل بما استنبطوه إنما هو تطبيق صحيح على ذلك الكثير المسموع ، أو مجاراة سليمة للشائع الوارد عن العرب ، ومحاكاة سائغة لا مكان معها لإيجاب الرجوع إلى «الأصل» الأول ، وتحتيم المعاودة إليه قبل استعمال الضوابط والقواعد ؛ ففى هذا الرجوع إضاعة للجهد والوقت ، فلن تأتى المعاودة بجديد. وقد يكون فى هذا الإيجاب والتحتيم ـ فوق ما فيه من إضاعة الجهد ، والوقت ، والمال ـ تعجيز لغير المتفرغين المشتغلين «باللغويات» عامة ، و «النحويات» ـ