شدة التقارب الزمنىّ ، مع أنهما غير متقاربين فى الواقع ؛ كقولهم فى وصف حركات الحصان السريع : (إنها كرّ مع فرّ ، وإقبال مع إدبار (١) ...) فاجتماع الكر والفر فى زمان واحد محال ، وكذلك اجتماع الإقبال والإدبار ؛ فالمراد من الاجتماع الزمنىّ فى مثل هذا هو : شدة التقارب. وكقولهم للحزين الضائق : «لا تحزن ؛ فإن مع العسر يسرا ، وإن مع اليوم أخاه الغد ، يقبل بالخير والإسعاد». فالعسر واليسر لا يجتمعان فى زمان واحد لإنسان. وكذلك اليوم والغد ... و ... وإذا المراد من الاصطحاب الزمنىّ والاجتماع قد يكون حقيقيّا ، وقد يكون بمعنى التقارب الشديد.
ومثال صلاحه للأمرين قولهم : (احتفينا بالعلماء الأجانب مع علمائنا ، وكرّمناهم مع النابغين من رجالاتنا).
وكلمة : «مع» بدلالتها السالفة ، ظرف غير متصرف ، ملازم ـ فى الأغلب ـ للإضافة لفظا ومعنى ؛ وللإعراب ؛ فهو منصوب على الظرفية بالفتحة. وقليل منهم يبنيه على السكون فى كل حالاته ، إلا إذا وقع بعده حرف ساكن فيبنيه على الكسر ؛ للتخلص من التقاء الساكنين ، أو على الفتح للخفة (٢) فيقول مع البناء على السكون : (لا أمن مع ظلم الوالى ، ولا عمران مع طغيانه). ويقول عند التقاء الساكنين :
قد يدرك المتأنى بعض حاجته |
|
وقد يكون مع المستعجل الزّلل |
ببناء كلمة : «مع» على الفتح أو الكسر.
الثانية : أن تكون ظرفا بمعنى : «عند» (٣) ، ومرادفة لها ، فى إفادة معنى الحضور المجرد ، فتكون ظرفا لا دلالة فيه على اجتماع ومصاحبة ، وتكون معربة ، مضافة ، واجبة الجر «بمن» الابتدائية ؛ نحو : (الكفيل على اليتيم يرعاه ،
__________________
(١) الكر : الهجوم ، والفرّ : الفرار. ومنهما قول امرئ القيس يصف حصانه : ـ وله إشارة فى ص ١٢٩ ـ
مكرّ ، مفرّ ، مقبل ، مدبر ، معا |
|
كجلمود صخر حطّه السيل من عل |
(٢) إذا بنى على الفتح عند هؤلاء وهو مضاف ، فكيف نعلم أن الفتحة فى آخره فتحة إعراب أو فتحة بناء؟ يكون التمييز بالقرائن ؛ كأن نعلم أن الناطق به فرد من تلك القبائل القليلة التى تبنيه ، أو ممن يحاكيهم.
(٣) سبق الكلام عليها فى ص ١٢١ وفى ج ١ ص ٢٢٢ م ٨٩.