مشيت من لدن الجبل إلى النهر ، وقضيت فى المشى من لدن صباحنا إلى
__________________
ـ لمجىء الحرف. «من» قبله ومعناه الابتداء أيضا؟ أجاب النحاة عن هذا إجابة غير مقنعة ؛ فقالوا : إن دلالة : «لدن» على بداية الغاية ليست مألوفة فى الأسماء ؛ فجاء الحرف «من» ليكون بمنزلة الدال على ذلك ، ولهذا يكون فى الأعم الأغلب مذكورا (راجع حاشية ياسين على شرح التصريح فى هذا الموضع).
والسبب الحق هو استعمال العرب القدامى ، دون تعليل آخر.
(ب) ما سبق يقال فى الظرف : «عند» ؛ فلو وضعناه مكان «لدن» فى الأمثلة السالفة ـ وأشباهها ـ لم يتغير الأمر ؛ ففى مثل : «قرأت الكتاب من عند المقدمة إلى الخاتمة» ، نجد الفعل : «قرأ» لا يتحقق معناه كاملا إلا بنقطة مكانية معينة تبتدئ منها القراءة ؛ هى المقدمة ، ونقطة أخرى تنته إليها ؛ هى الخاتمة ، وبين النقطتين المكانيتين مسافة مكانية تصل بينهما هى المسافة الأخرى المحددة المكتوبة ، ومن اجتماع الثلاثة : (أى من نقطة البداية المكانية ، ونقطة النهاية المكانية ، وما بينهما) يتكون ما يسمونه :. «الغاية المكانية» التى يجىء الظرف «عند» ليدل على أن المضاف إليه هو نقطة البداية فيها.
وإذا قلت : «قرأت الكتاب من عند العصر إلى المغرب» نشأت الغاية الزمانية التى تتكون من اجتماع تلك الثلاثة ، ويدخل الظرف. «عند» على أول جزء منها فيكون وجوده دليلا على أن ما بعده (وهو المضاف إليه) نقطة البداية الزمانية ...
ويفهم مما سبق أن «لدن» ، و «عند» اسمان يدلان على ما بعدهما ... فسمى كل منهما : نقطة البداية نفسها ، وليس «الابتداء» الذى هو أمر معنوى. ولهذا كانا اسمين ـ عند النحاة ـ دون «من» و «منذ» الحرفين اللذين معناهما الابتداء المعنوى. فإضافة «لدن» ، وعند» إنما هى من إضافة الاسم إلى مسماه.
(هذا ، وقد أطلنا الكلام ـ فى ج ١ ص ٥٦ م ٦ ـ عن سبب تفرقتهم بين كلمة : «ابتداء» واعتبارها اسما ، وكلمة : «من» الجارة المفيدة للابتداء واعتبارها حرفا).
كذلك يتضح الفرق بين «الغاية» ومبدأ الغاية ، الذى يدل عليه «لدن» أو «عند» ؛ فالغاية تشمل الأجزاء الثلاثة ، أما مبدأ الغاية فهو الجزء الأول منها دون الجزأين الآخرين. وكذلك يتضح المراد من قولهم : (إن : معنى «لدن» و «عند» هو الدلالة على مبدأ الغايات الزمانية أو المكانية). ويصح وضع أحدهما مكان الآخر ؛ فيقال : جئت من عند الصديق ، أو : من لدن الصديق. وفى القرآن الكريم : (آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا ، وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) فلو وضع أحد الظرفين مكان الآخر لجاز ، ولم يمنع منه مانع إلا كره التكرار اللفظى بغير داع بلاغى.
(ح) إذا دخل «لدن» ، أو : «عند» على بداية الغاية فليس من اللازم أن يذكر معها اللفظ الدال على النهاية ، إذ يكفى أن يشتمل الكلام على البداية وحدها ما دام المقام يكتفى به.
(د) ليس الأمر فى كل ما سبق مقصورا على الأفعال التى تعمل فى الظرف وتحتاج فى تحقيق معناها إلى غاية زمانية أو مكانية ، وإنما الأمر يشمل كل عامل آخر لا يتحقق معناه كاملا إلا بملاحظة الغاية ، يتساوى فى هذا أن يكون العامل فعلا ، أو شبه فعل ، أو اسم فاعل ، أو اسم مفعول ، أو غير ذلك مما يعمل ...