فإذا وقع الاسم بعدهما معرفة ، نحو قولك ، ما رأيته مذ يوم الجمعة ونحوه ، كان المقصود به ابتداء غاية الزمان الذى انقطعت فيه الرؤية وتعريفه. والانتهاء مسكوت عنه. كأنك قلت : وإلى الآن. ويكون فى تقدير جواب (متى).
وإذا وقع بعده نكرة ، نحو : ما رأيته منذ يومان ، ونحو ذلك ، كان المراد منه انتظام المدة كلها ، من أولها إلى آخرها ، وانقطاع الرؤية فيها كلها.
فإن خفضت ما بعدهما ، معرفة كان أو نكرة ، كان المراد الزمان الحاضر ، ولم تكن الرؤية قد وقعت فى شىء منه. اه.
ويظهر أن أبا البقاء أراد بالمعرفة فى قوله : (فإن خفضت ما بعدها ... إلخ) نحو يومنا أو اليوم ، فى قولك مثلا : ما رأيته مذ أو منذ يومنا ، أو اليوم.
ولم يرد نحو قولك : ما رأيته مذ أو منذ يوم الأربعاء (١) ، أى من يوم الأربعاء ، كما تقدم. وذلك لأن أبا البقاء يرفع (يوم) فيه وجوبا. بدليل قوله آنفا فى فقرة (٣) : (فإذا وقع الاسم بعدها معرفة ، نحو قولك : ما رأيته مذ يوم الجمعة ... إلخ).
أما الدلالة على الزمن الحاضر فى حال جر مذ ومنذ للنكرة ، فقد سلف لك أنك إذا قلت مثلا : ما كلمته مذ أو منذ شهرين (مما هو معدود) ، أو شهر (مما هو فى حكم المعدود) ، كان المعنى أن الحدث انتفى من ابتداء هذه المدة إلى انتهائها. فأنت إذ تقول مثلا : ما كلمته مذ أو منذ شهر ، تتكلم فى نهاية الشهر. أى : ما وقع الكلام فى هذا الشهر الحاضر ، من أوله إلى آخره.
هذا شرح الفقرة الأخيرة من كلام أبى البقاء ، كما قدرت أن أوجهها.
وقال الإمام السيرافى :
(١)
اعلم أن منذ ومذ جميعا فى معنى واحد. وهما يكونان اسمين وحرفين ، غير أن الغالب على منذ أن تكون حرفا ، وعلى مذ أن تكون اسما. اه.
__________________
(١) قد سبق أن نحو هذا المثال يجوز فيما بعد مذ أو منذ فيه الرفع أو الجر.