يتعلق به حرف الجر الأصلى (١) ومجروره. معنى فعل أو عامل آخر يتعدّى بهذا الحرف) فحرف الجر مقصور على تأدية معنى حقيقىّ واحد يختص به ، ولا يؤدى غيره إلا من طريق المجاز فى هذا الحرف ، أو من طريق التضمين فى العامل الذى يتعلق به الجار الأصلى (٢) مع مجروره. ومن الأمثلة الحرف الأصلىّ : «فى» : فمعناه : الظرفية (أى : الدّلالة على أن شيئا يحوى بين جوانبه شيئا آخر ... و... كما سبق) ، فإذا قلنا : الماء فى الكوب ، فهمنا أن الكوب يحوى بين جوانبه الماء ؛ فيكون الحرف «فى» مستعملا فى تأدية معناه الحقيقى الأصيل. ولكن إذا قلنا : غرّد الطائر فى الغصن .. ، لم نفهم أن الغصن يحوى فى داخله وبين جوانبه الطائر المغرد ، لاستحالة هذا. وإنما نفهم أنه كان على الغصن وفوقه ، لا بين ثناياه. فالحرف : «فى» قد أدى معنى ليس بمعناه الحقيقى الأصيل. فالمعنى الجديد ؛ وهو : «الفوقية» ، أو «الاستعلاء» إنما يؤديه حرف آخر مختص بتأديته ؛ هو : «على» فلو راعينا الاختصاص وحده لقلنا : غرد الطائر على الغصن ، فالحرف : «فى» قد أدّى معنى ليس من اختصاصه. بل هو من اختصاص غيره. وهذه التأدية ليست على سبيل الحقيقة. وإنما على سبيل المجاز. واجتمع للحرف : «فى» الشرطان اللذان لا بد من تحققهما لصحة استعمال المجاز (٣) ؛ فالاستعلاء بما يقتضيه من تمكن وثبات شبيه بالظرفية التى تقتضى التمكن والثبات أيضا. فاستعملنا «الظرفية» مكان «الاستعلاء» ؛ بسبب التشابه الذى بينهما ، واستعملنا الحرف الدال على «الظرفية» مكان الحرف الدال على الاستعلاء ؛ تبعا لذلك. وكل هذا على سبيل المجاز. والقرينة الدالة على أنه مجاز (أى : على أن الحرف : «فى» مستعمل فى غير معناه الأصلى) وجود الفعل : «غرّد» ؛ إذ لا يقع التغريد فى داخل الغصن ؛ وإنما يكون فوقه ، فهذه القرينة هى المانعة من إرادة المعنى الأصلى.
ومن الأمثلة : «على» ؛ فهو حرف جر يقتصر عند أصحاب هذا الرأى على معنى حقيقى واحد ؛ هو : «الاستعلاء». فإذا قلنا : الكتاب على المكتب ، فهمنا هذا المعنى الحقيقى الدال على أن شيئا فوق آخر. فالحرف مستعمل فى معناه
__________________
(١ و ١) وملحقه.
(٢) هما : العلاقة بين المعنى المنقول منه والمعنى المنقول إليه ، والقرينة التى تصرف الذهن عن المعنى الأصلى إلى المعنى المجازى الجديد.