المسألة ٩٢ :
وـ نيابة حرف جر عن آخر
يتردد بين النحاة أن حروف الجر ينوب بعضها عن بعض ؛ فيتوهم من لا دراية له أن المراد جواز وضع حرف مكان آخر بغير ضابط ، ولا توقّف على اشتراك بينهما فى المعنى ، ولا تشابه فى الدلالة. وهذا ضرب من الفهم المتغلغل فى الخطأ (١) ...
أما حقيقة الأمر فى نيابة حروف الجر بعضها عن بعض فتتلخص فى مذهبين : الأول (٢) : أنه ليس لحرف الجر إلا معنى واحد يؤديه على سبيل الحقيقة ، لا المجاز ؛ فالحرف : «فى» يؤدى معنى واحدا حقيقيّا هو : «الظرفية». والحرف : «على» يؤدى معنى واحدا حقيقيّا هو : «الاستعلاء». والحرف : «من» يؤدى : «الابتداء» ، والحرف : «إلى» يؤدى : «الانتهاء» ... و... وهكذا ... فإن أدّى الحرف معنى آخر غير المعنى الأصلى الخاص به وجب القول : بأنه يؤدى المعنى الجديد إما تأدية مجازية (أى : من طريق المجاز (٣) ، لا الحقيقة) ، وإما تأدية تضمينية (٤) (أى : بتضمين الفعل ، أو : العامل الذى
__________________
(١) جاء فى المغنى ـ ج ٢ الباب السادس فى التحذير من أمور اشتهرت بين المعربين ، والصواب خلافها به. ما نصه فى الأمر الثالث عشر منها :
«قولهم : ينوب بعض حروف الجر عن بعض ، وهذا أيضا مما يتداولونه ؛ ويستدلون به ...
«وتصحيحه يكون بإدخال : قد على قولهم : ينوب ؛ وحينئذ يتعذر استدلالهم به ؛ إذ كل موضع ادعوا فيه ذلك يقال لهم فيه : لا نسلم أن هذا مما وقعت فيه النيابة. ولو صح قولهم لجاز أن يقال : مررت فى زيد ، ودخلت من عمرو ، وكتبت إلى القلم. على أن البصريين ومن تابعهم يرون فى الأماكن التى ادعيت فيها النيابة أن الحرف باق على معناه ، وأن العامل ضمن معنى عامل يتعدى بذلك الحرف ؛ لأن التجوز فى الفعل أسهل منه فى الحرف». اه. وسيجىء الرأى البصرى كاملا مع غيره هنا.
(٢) وهو مذهب البصريين. أما الثانى فمذهب الكوفيين ، والكلام عليه فى ص ٤٩٨.
(٣) وفى هذه الحالة يجب أن يتحقق للمجاز ركناه الأساسيان ، وهما العلاقة والقرينة ـ انظر معناهما فى هامش الصفحة التالية ـ.
(٤) سبق شرح التضمين فى هذا الجزء ، ص ١٣٨ من «باب» «تعدية الفعل». ولأهميته سجلنا له بحثا شاملا مستقلا آخر هذا الجزء ص ٤٣٤.