مثال ثالث : نام الوليد. فمعنى الفعل : «نام» معروف ، ولكنه معنى يشوبه بعض النقص الفرعىّ ؛ إذ لا يدل ـ مثلا ـ على المكان الذى وقع فيه النوم.
فالعامل ؛ (وهو هنا الفعل : نام) بحاجة إلى إتمام المعنى بذكر المكان الذى وقع فيه أثره. فهل نقول : نام الوليد السرير؟ لا نستطيع ذلك ؛ لأن الأساليب السليمة تأباه ، فالفعل عاجز عن إيصال معناه المباشر إلى تلك الكلمة ، فنلجأ إلى الوسيط المساعد ؛ وهو حرف الجر الأصيل ، ـ وشبهه ـ ليوصّل بين الاثنين ؛ ويعدّى الفعل اللازم إلى مفعول به معنى ، (حكما) ؛ فنقول : نام الوليد فى السرير. ومثل هذا يقال فى الفعلين : «دعا» ، و «ذم» من قول الشاعر :
ومن دعا الناس إلى ذمّه (١) |
|
ذموه بالحق وبالباطل ... |
وهكذا ...
من كل ما سبق نفهم أن حرف الجر الأصلى (٢) مع مجروره إنما يقومان بمهمة مشتركة ومزدوجة ، كانت السبب القوىّ فى مجيئهما ؛ وهى : إتمام معنى عاملهما ، واستكمال بعض نقصه (٣) بما يجلبانه معهما من معنى فرعىّ جديد ؛ وأحدهما ـ وهو حرف الجر الأصلى (٤) ـ يقوم بمنزلة الوسيط الذى يصل بين معنى العامل والاسم المجرور ، ويجعل عامله اللازم متعديا حكما وتقديرا ويعبر النحاة عن كل هذا تعبيرا اصطلاحيّا ؛ هو : «أن الجار الأصلىّ ـ وشبهه ـ مع مجروره متعلّقان بالعامل» (٥). فالمراد من تعلقهما به هو : اتصالهما وارتباطهما به ؛ لتكملة معناه الفرعىّ على الوجه الذى سلف.
كما نفهم أيضا ما يقولونه من : أن الاسم المجرور بالحرف الأصلى ـ وشبهه ـ هو بمنزلة «المفعول به» لذلك العامل ؛ لوقوع معنى العامل عليه ؛ كما يقع على «المفعول به» ؛ فكلا الاسمين يقع عليه معنى عامله ، وكلاهما يتمم معنى العامل ، والمتعلّق به. إلا أن المفعول به منصوب ، ويصل إليه معنى ذلك العامل مباشرة ، أما الاسم الآخر فمجرور بحرف الجر الأصلى (٦) ، ولا يصل إليه معنى عامله «وهو المتعلّق به» إلا بوسيط ، ولا يصح تسميته مفعولا به حقيقيّا ، بالرغم من أنه
__________________
(١) بأن يفعل ما يستدعى أن يذموه بسبه.
(٢ و ٢) وكذا ما ألحق به
(٣) لتجلية هذه المسألة أيضا والسبب فى وجوب التعلق تراجع ص ٢٣٦.
(٤) إلا الحرف : «على» إذا كان معناه الإضراب ـ كما أشرنا فى رقم ٢ من هامش ص ٤٠٦ و ١ من هامش ص ٤١٢ ويجىء البيان فى ص ٤٧٢.