والحال المقارنة أكثر استعمالا وورودا فى الكلام ، ولا تحتاج إلى قرينة كالتى يحتاج إليها غيرها.
* * *
الثامن : انقسامها بحسب التأسيس والتأكيد إلى مؤسّسة ومؤكّدة. فالمؤسّسة ، وتسمى المبيّنة (١) : هى التى تفيد معنى جديدا لا يستفاد من الكلام إلا بذكرها ، نحو : وقف الأسد فى قفصه غاضبا ، ثم هدأ حين رأى حارسه مقبلا ، فكلمة : «غاضبا» حال مؤسّسة : لأنها أفادت الجملة معنى جديدا لا يفهم عند حذفها. وكذلك كلمة : «مقبلا» وأشباههما من الأحوال التى لا يستفاد معناها من سياق الكلام بدون ذكرها.
والمؤكّدة : هى التى لا تفيد معنى جديدا ، وإنما تقوّى معنى موجودا فى الجملة قبل مجيئها (٢) ، ولو حذفت الحال لفهم معناها مما بقى من الجملة. نحو : لا تظلم الناس باغيا ، ولا تتكبر عليهم مستعليا ، «فالبغى» هو الظلم ، و «الاستعلاء» هو الكبر. ولو حذف كل من الحالين فى المثال (وهما يؤكدان عاملهما) ما نقص المعنى ، ولا تغير ، ولفهم معناه من بقية الكلام. ومثلهما باقى الأحوال التى يستفاد معناها بغير وجودها. وقد سبق ـ فى مناسبة أخرى (٣) ـ الإشارة إلى المؤكدة ، وأنها قد تكون مؤكدة لمضمون الجملة ؛ نحو : خليل أبوك عطوفا ، أو مؤكدة لعاملها لفظا ومعنى ؛ نحو : (وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً) أو معنى فقط : نحو : (... وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ...) لأن البعث يقتضى الحياة ، أو مؤكدة لصاحبها ؛ نحو قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً.) فكلمة : «جميعا» حال من الفاعل «من» وهذا الفاعل اسم موصول يفيد العموم ، والحال ـ هنا ـ تفيد العموم ، فهى مؤكدة له.
وأشرنا هناك إلى أن الجملة التى تؤكّد الحال مضمونها لا بد أن تكون جملة اسمية ، طرفاها معرفتان ، جامدتان (٤) ؛ ولا بد أن تتأخر الحال عنهما معا ،
__________________
(١) لأنها تبين هيئة صاحبها ـ أما المؤكدة فلا تبين هيئة ـ كما فى ص ٣٣٩ و ٣٤٠ ـ.
(٢) سواء أكان المعنى الذى تؤكده هو معنى عاملها أم معنى صاحبها ، أم معنى الجملة التى قبلها. ـ كما سبق فى ص ٣٤١ وما بعدها وله إشارة فى ص ٣٧٠.
(٣) ص ٣٤١ وما بعدها.
(٤) إذا كان فى الجملة فعل أو ما يعمل عمله كان عاملا فى الحال ؛ فلا يعتبر العامل مضمرا ، ـ