داع (١) ؛ إذ لم يراعوا للكثرة حقها الذى يبيح القياس (٢).
* * *
وأشهر مواضع الحال الجامدة التى لا تتأول بالمشتق سبعة :
(ا) أن تكون الحال الجامدة موصوفة بمشتق (٣) أو بشبه (٤) المشتق ؛ نحو (ارتفع السعر قدرا كبيرا ـ وقفت القلعة سدّا حائلا) ـ (تخيل العدو القلعة جبلا فى طريقه ـ عرفت جبل المقطم حصنا حول القاهرة).
والنحاة يسمون هذه الحال الموصوفة : «بالحال المؤطّئة» ، أى : الممهّدة لما بعدها ؛ لأنها تمهد الذهن ، وتهيئه لما يجىء بعدها من الصفة التى لها الأهمية
__________________
(١) غريب ـ كما يقول بعض النحاة ـ أن يكثر ورود الحال مصدرا منكرا ، فى فصيح الكلام المأثور ، بل فى أفصحه ؛ وهو : القرآن ، ثم نسمع من يقول : إنه بالرغم من تلك الكثرة مقصور على السماع. فمما جاء فى القرآن قوله تعالى : (ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً) وقوله : (يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً) وقوله : (إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً) وقوله : (يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً.)
هذا بعض ما جاء فى الكتاب العزيز من الأحوال ، وما أكثر ما جاء فى غيره مما يستشهد به. وتأويلها بالمفعول المطلق الذى حذف عامله ضعيف ؛ لأن حذف عامل المؤكد فى مثل هذا معيب ـ كما سبق فى ص ١٧٢ ـ وكذا كل تأويل آخر يشبهه. فما الذى يقاس عليه إن لم تكن هذه الشواهد كلها داعية للقياس عليها؟ ولماذا يوافق بعضهم على القياس فى المصدر إذا كان نوعا لعامله ؛ نحو جاء السائق سرعة ، أى : سريعا؟ ولماذا يقصره كثير منهم على أنواع ثلاثة من المصدر؟ هى :
ا ـ المصدر الدال على بلوغ نهاية الشىء ؛ نحو : أنت الرجل شجاعة ، وأخوك الرجل علما. وأمثال هذا المصدر الذى قبله خبر مقرون «بأل» الدالة على الوصول إلى نهاية الشىء ؛ حسنا أو قبحا.
ب ـ والمصدر الذى قبله مبتدأ وخبر والمبتدأ مشبه بالخبر ، أنت عمر عدلا ـ وهى الخنساء شعرا. ح ـ والمصدر الواقع بعد : «أما» فى نحو : أما بلاغة فبليغ ، من كل مصدر وقع بعد «أما» فى مقام قصد فيه الرد على من وصف شخصا بوصفين ، أو سلبه أحدهما ، وأنت تعتقد اتصافه بواحد منهما. والحق أنه لا داعى لشىء من هذا كله. فالقياس مباح.
(٢) يقول ابن مالك :
ومصدر منكّر حالا يقع |
|
بكثرة ؛ كبغتة زيد طلع ـ ٦ |
ـ وسيعاد هذا البيت لمناسبة أخرى فى ص ٣٥٠ ـ
(٣) يرى كثير من النحاة أن هذه مؤولة بالمشتق أيضا ، وأنه لا وجود لحال جامدة لا تؤول بالمشتق. ـ كما سبق فى رقم ١ من هامش ص ٣٤١ ـ والخلاف شكل لا أثر له.
(٤) شبه المشتق هو الظرف والجار مع مجروره ، وإنما كان شبه الجملة شبيها بالمشتق لإمكان تعلق كل منهما بمحذوف مشتق ، تقديره : كائن ، أو : موجود ، أو : حاصل ... ولأن الضمير قد انتقل من المشتق بعد حذفه إلى شبه الجملة (كما سيجىء البيان فى رقم ١ من هامش ص ٣٥٦ وفى هامش ص ٤١٧ م ٨٩).