وقد وردت أمثلة مسموعة وقعت فيها «ما» قبل الكلمات الثلاث : (خلا ـ عدا ـ حاشا) (١) ووقع فيها المستثنى مجرورا وهى ؛ أمثلة شاذة لا يصح
__________________
ـ حرف جر إن لم يوجد قبل ياء المتكلم نون الوقاية ؛ نحو : أطال الخطباء حاشاى ، أو : عداى ، أو خلاى. والمستثنى مبنى على الفتح فى محل جر. ولا يصح هنا اعتبار الأداة فعلا ينصب المستثنى (الياء) إذ لو كانت الأداة فعلا لوجب ـ على المشهور ـ الإتيان بنون الوقاية قبل ضمير المتكلم «الياء» (تطبيقا لما سبق فى باب الضمير ، ج ١ ص ١٩٢ م ٢١) ، بخلاف ما لو قلنا : حاشانى ، أو عدانى ، أو خلانى حيث يجب اعتبار الأداة فعلا محضا ، والياء مفعوله ، بسبب وجود نون الوقاية التى تلزم آخر الفعل عند اتصاله بياء المتكلم ؛ طبقا للرأى الغالب.
هذا كلامهم. وهو مدفوع بأن نون الوقاية إنما تجىء فى آخر الفعل عند اتصاله بياء المتكلم لتقيه وتحفظه من الكسر الذى يجىء فى آخره لمناسبة الياء التى تلحق بآخره. ولما كانت هذه الأدوات لا يلحقها الكسر عند اتصالها بالياء امتنع الداعى لمجىء نون الوقاية مجيئا حتميا ، وصار الاستغناء عنها جائزا ؛ فيصح أن يقال : حاشاى ، أو : عداى ، أو خلاى ... وفى هذه الصور يصح اعتبار الأداة فعلا أو حرفا ، لعدم وجود ما يعينها لأحدهما دون الآخر.
نعم ، لو قلنا : حاشانى ، أو : عدانى ، أو : خلانى ... لكان وجود نون الوقاية ـ ووجودها هنا جائز لا واجب ، كما أسلفنا ـ مرجحا قويا لاعتبار الأداة فعلا ، لكثرة هذه النون فى الأفعال ... وقلتها فى الحروف ؛ مثل : منّى وعنّى ...
(١) وفيما سبق من أدوات الاستثناء التى تكون أفعالا فقط ، أو : التى تصلح لأن تكون أفعالا وحروفا يقول ابن مالك ، وقد خلطها :
واستثن ـ ناصبا ـ «بليس وخلا» |
|
«وبعدا» ، «وبيكون» بعد : «لا» |
أى : استثن بالأدوات التى ذكرها ، (وهى : ليس ـ خلا ـ عدا ـ يكون ؛ بشرط وقوع «يكون» بعد «لا» النافية). ناصبا المستثنى بها ، وفى هذه الحالة التى تنصب فيها المستثنى يتعين أن تكون أفعالا خالصة. ثم أردف قائلا :
واجرر بسابقى «يكون» إن ترد |
|
وبعد : «ما» انصب ، وانجرار قد يرد |
يقول : جر المستثنى بالأداتين السابقتين على «يكون». إن شئت ؛ وهما : «خلا وعدا» وإن شئت فانصبه بعدهما بشرط أن تسبقهما. «ما» ولم يذكر نوع «ما» وأنها المصدرية. ثم أشار إلى رأى ضعيف مردود ؛ هو أنهما قد يجران المستثنى أحيانا مع وجود : «ما» قبلهما ـ على اعتبارها زائدة ـ وأوضح بعد ذلك أنهما فى حالة جرهما المستثنى يعتبران حرفى جر ، وأنهما فى حالة نصبه يعتبران فعلين :
وحيث جرّا فهما حرفان |
|
كما هما إن نصبا فعلان |
(ويلاحظ أنه أدخل «الفاء» على جملة : «هما حرفان» تنزيلا للظرف : «حيث» منزلة الشرط على الوجه الذى شرحناه فى موضعه المناسب ص ٢٥٧ «و» و ٢٦٨ وهامشها). أو على اعتبار : «حيث» شرطية بغير اتصالها «بما» الزائدة ، تبعا لرأى الكوفيين ، أما الظرف : «حيث» فمتعلق بعامل معنوى ، هو : الإسناد (أى : بالنسبة الواقعة بين ركنى جملة) تطبيقا لما دونوه من أن شبه الجملة يتعلق ـ