بدلا منصوبا من كلمة : «شيئا» المنصوبة. وحتموا أن تكون بدلا مرفوعا من كلمة : «شيئا» باعتبار أصلها ؛ فقد كانت خبرا مرفوعا للمبتدأ قبل مجىء «ما» الحجازية التى تعمل عمل : «ليس». وسبب المنع أن المستثنى منه منفى ، والمستثنى موجب ، والعامل فى الاثنين واحد ؛ هو : «ما» الحجازية ، فتكون «ما» الحجازية قد علمت فى الموجب ، وهى لا تعمل إلا فى المنفىّ.
ذلك رأيهم ودليلهم (١) فى كل ما سبق من الأمثلة الممنوعة ، وهو رأى غريب (إذ ما الحكمة ـ كما قال بعض آخر (٢) من النحاة ـ فى ارتكاب هذا التكلف (٣)؟ مع أن القاعدة : أنه يغتفر فى التابع ما لا يغتفر فى المتبوع (٤). ومثلوا له بقوله تعالى : (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ ـ) حيث لا يمكن تسليط العامل على المعطوف (٥) ـ فهلا جاز هنا فى البدل الجر أو النصب تبعا للفظ المبدل منه بناء على هذه القاعدة ...) (٦).
وشىء آخر له الأهمية الأولى ، ولا أعرف أنهم ذكروه ؛ هو كلام العرب فى مثل ما سبق ، والمأثور من أساليبهم ، أجاء خاليا من إتباع المستثنى للفظ المستثنى منه ، أم لم يجئ؟ وفى الحالتين لا يقوم دليل على المنع ؛ لأن عدم المجىء ليس معناه التحريم ، فالأمر السلبى لا يكفى فى انتزاع حكم قاطع مخالف للمألوف فى نظرائه التى يتبع فيها البدل حركة المبدل منه اللفظية ، كما أن المجىء قاطع فى الصحة.
__________________
(١ و ١) راجع الأشمونى ، وحاشية الصبان ج ٢ أول باب : «الاستثناء» ، عند الكلام على البدل ، فى الكلام التام غير الموجب.
(٢) عرضنا صورا من تطبيقه فى آخر الجزء الثالث عند الموازنة بين عطف البيان وبدل الكل.
(٣) وقد يعبرون عن هذه القاعدة بتعبيرات مختلفة الألفاظ متحدة المعانى ؛ منها : (يغتفر كثيرا فى الثوانى ما لا يغتفر فى الأوائل) ـ كما جاء فى الصبان ، فى باب الإضافة ، عند الكلام على : «أى» ومنها : (يغتفر فى الثوانى ما لا يجوز فى الأوائل) ـ كما جاء فى الهمع ج ١ ص ٢١٥ عند الكلام على الظرف : «لدن» ـ انظر ما يتصل بهذا فى رقم ١ من هامش ص ٦٧ وص ٤٩٠.
(٤) لأن فعل الأمر لا يرفع اسما ظاهرا. ومثل هذا ما يقال فى الحرف : «ربّ» من صحة عطف المعرفة على الاسم المجرور بها مع أن «رب» لا يجر إلا النكرة ـ كما سيجىء فى حروف الجر ـ.
(٥) وقد ردوا كلامه بأن الأخذ بتلك القاعدة إنما يكون فى بعض المواضع دون بعض وليست مطردة. وهذا غريب أيضا.