الباء لا تزاد إلا فى جملة منفية ، والمستثنى «بإلا» مثبت بعد الكلام المنفى ، فلو أبدلنا كلمة : «رجلا» من كلمة : «شىء» لكان هذا البدل مستلزما فى التقدير وقوع الباء ـ وهى العامل فى المبدل منه ـ قبل البدل أيضا ؛ لأن البدل على نية تكرار العامل ؛ فيترتب على هذا دخول «باء» الجر الزائدة على مثبت ؛ وهو عندهم ممنوع. فللفرار من هذا أبدلوا كلمة : «رجلا» من كلمة : «شىء» مع مراعاة محلها ، لا لفظها ، لأن محلها النصب ؛ فهى مجرورة لفظا ، منصوبة محلا ، باعتبارها خبر : «ليس»!!
ومثل : لا ساهر هنا إلا حارس. لا يجوز عندهم أن تكون كلمة : «حارس» بدلا منصوبا من محلّ كلمة ؛ «ساهر» المبنية على الفتح لفظا فى محل نصب. وحجتهم أن كلمة : «ساهر» ... اسم «لا» واسم «لا» منفى ، أما المستثنى هنا فموجب ، لوقوعه بعد «إلّا». (وما بعدها مخالف لما قبلها نفيا وإثباتا ، كما تقدم) ـ ولما كان العامل فى المستثنى منه : هو : «لا» النافية للجنس وجب عندهم أن تكون عاملة أيضا فى المستثنى ؛ لأن العامل فى الاثنين لا بد ـ فى الرأى المشهور ـ أن يكون واحدا ، ثم يقولون : كيف تعمل «لا» فى المستثنى الموجب وهى لا تعمل إلا فى منفى؟ وللفرار من هذا قالوا : إن البدل هو من محل اسم «لا» قبل دخولها ، وليس من محل اسمها بعد دخولها ، فاسمها قبل كان مبتدأ (١) فالبدل مرفوع مثله ، ولا عمل للناسخ فيه إذ ذاك.
ومثل : ما الخائن شيئا إلا رجل حقير ؛ فقد منعوا أن تكون كلمة : «رجل»
__________________
(١) يجوز فى هذا المثال من الأوجه الإعرابية ما يجوز فى أشباهه التى عرضوها فى باب «لا» النافية للجنس ـ آخر الجزء الأول ـ ؛ ومنها : «لا إله إلا الله». فقد جوزوا فى كلمة : «الله» ما يأتى : ا ـ الرفع على البدلية ؛ مراعاة لمحل «لا مع اسمها ؛ لأن محلها رفع على الابتداء عند سيبويه.
ب ـ أو : الرفع على البدلية مراعاة لمحل اسم «لا» باعتباره فى الأصل مبتدأ مرفوعا قبل دخول الناسخ.
ج ـ أو : الرفع على البدلية من الضمير المستتر فى خبر «لا» المحذوف ؛ فأصل الكلام لا إله موجود ؛ أى : هو.
د ـ أو : النصب على الاستثناء من هذا الضمير المستتر ؛ لأن الجملة تامة غير موجبة ؛ فيجوز فى المستثنى أمران كما عرفنا : البدلية ، أو : النصب على الاستثناء.