نظيرتها. وإذا كان التأويل معيبا وواجبنا الفرار منه جهد استطاعتنا ، فإن الأنسب لنا اليوم أن نتخير ـ عند الضبط ـ اللغة الضاربة فى الفصاحة ، الغالبة الشائعة بين اللغات المتعددة ؛ لنقتصر عليها فى استعمالنا تاركين غيرها من اللغات واللهجات القليلة ، توحيدا للتفاهم ، وفرارا من البلبلة الناشئة من تعدد اللهجات واللغات بغير حاجة ماسة ؛ فعلينا أن نعرف تلك اللغات فى مناسباتها ، ويستعين بها المتخصصون على فهم النصوص الواردة بها ، دون محاكاتها فى الضبط ، أو القياس عليها ـ كما أشرنا لهذا كثيرا ـ على الرغم من أنها صحيحة يجوز محاكاتها (١).
(ه) إذا كان الكلام تامّا موجبا (٢) فلا يكون المستثنى منه ـ فى الفصيح ـ نكرة ، إلا إن أفادت (٣). فلا يقال جاء قوم إلا رجلا ، ولا قام رجال إلا محمدا ، لعدم الفائدة ، بسبب أن النكرة محضة. فإن أفادت جاز ؛ نحو قوله تعالى : (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً) ـ وقام رجال كانوا فى بيتك إلا واحدا. أما الكلام التام غير الموجب فالفائدة تحقق فيه بالنفى وشبهه ؛ لدلالة النكرة معه ـ غالبا ـ على العموم نحو : ما جاءنا أحد إلا رجلا ، أو إلا عليّا ...
__________________
ـ مذكور أو محذوف ، ويجعل المستثنى حينئذ هو الجملة فى محل نصب على الاستثناء. ويجرى هذا فى المتصل والمنقطع (راجع الصبان ، أول باب الاستثناء ، وكذلك حاشية «الأمير» على المغنى ج ٢ ، بعد الجملة السابعة من باب الجمل التى لها محل من الإعراب ؛ حيث الأمثلة المتعددة الواردة برفع المستثنى فى الكلام التام الموجب والتى لا تحتمل تأويلا ، وحيث النص الصريح من كلام ابن مالك وغيره بأن النصب جائز لا واجب ، مؤيدا رأيه بالشواهد الفصيحة المتنوعة التى سردها ...) (وانظر رقم ٢ من هامش ص ٣٠٧)
والخير فى ترك هذه اللغات القليلة ؛ بالرغم من أنها صحيحة قياسية.
(١) لأن كل قراءة صحيحة قرئ بها القرآن يصح محاكاتها فى غيره ، والقياس عليها ، وكذلك كل لغة سليمة لإحدى القبائل ؛ كما نص على هذا الأئمة ، وعرضنا له بأدلته وتفاصيله فى بحث مستفيض ؛ عنوانه «القياس». بكتابنا المسمى : (اللغة والنحو بين القديم والحديث).
(٢) راجع فى الحكم الآتى فى كتاب : همع الهوامع ج ١ ص ٢٢٣ أول باب الاستثناء ، (وفى رقم ٤ من هامش ص ٢٩٦ ، إشارة لما يأتى.)
(٣) إفادتها تكون بزيادة تطرأ عليها ؛ كوصف ، أو إضافة ، أو غيرها مما يفيدها تخصيصا.