«قليل» بالرفع. ومنها : تغير المنزل إلا باب (١) ... و... و...
وقد كلف النحاة أنفسهم عناء التأويل والتقدير ؛ ليجعلوا الكلام تامّا غير موجب ؛ فيصلوا من هذا إلى جواز البدل ، وإلى أن الأمثلة مسايرة للقاعدة عندهم. فقالوا فى الآية : إن نصها ـ على لسان طالوت ـ هو : (إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ ، فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي) ... (فشربوا منه إلا قليل منهم) فمعنى : «شربوا منه» : لم يكونوا منى ولا من أنصارى. فهى فى تأويل كلام منفى فى تقديرهم. وقالوا : فى المثال الثانى وأشباهه : إنّ : «تغيّر» معناها لم يبق على حاله. فالكلام يتضمن نفيا فى المعنى ...
ولا شك أن كلامهم مردود ، وتأويلهم بعيد ، لسببين :
أولهما : أن كل كلام مثبت لا بد له من نقيض غير مثبت ، ويستحيل الحكم على شىء بالإثبات دون أن يتصور العقل له ضدّا منفيّا. فمعنى «نام الرجل» لم يتيقظ. ومعنى «تيقظ» ليس بنائم. ومعنى «تحرك الطفل» : لم يسكن. ومعنى «سكن» : لم يتحرك ... ومعنى «شرب» : لم يفقد الماء ويظمأ. ومعنى «فقد الماء» : ما شرب ... و... و...
وهكذا ، فلو أخذنا برأيهم وفتحنا باب التأويل لم يبق فى الكلام العربى أسلوب مقصور على «التمام مع الإيجاب» دون أن يصلح للنوع الثانى (وهو : التام غير الموجب) وهذا غير مقبول.
وثانيهما : وهو الأهم ـ أن الآية والمثال وغيرهما مما وقع فيه المستثنى غير منصوب فى الكلام التام الموجب ـ إنما ورد صحيحا مطابقا للغة بعض القبائل العربية ، التى تجعل الكلام «التّامّ الموجب ، والتام غير الموجب» متماثلين فى الحكم (٢) ؛ يجوز فيهما : إما النصب على الاستثناء ، وإما البدل من المستثنى منه ، وإما الرفع على الابتداء (٣) ... و... فلا معنى للتأويل بقصد إخضاع لغة قبيلة للغة
__________________
(١) نص المثال الوارد فى «التصريح» ـ وفى حاشية ياسين أمثلة متنوعة أخرى ـ ؛ :
وبالصّريمة منهم منزل خلق |
|
عاف تغيّر إلا النّؤى والوتد |
(٢) وقد ورد النص على هذا فى كثير من المراجع النحوية ، ومنها : حاشية ياسين على «التصريح ، شرح التوضيح» ، ففيها البيان والأمثلة من القرآن والحديث وغيرهما مما سرده فى أول «الاستثناء». ـ وكذا الصبان ـ
(٣) من يرفع الاسم بعد : «إلا» فى الكلام التام الموجب فعل اعتبار ذلك الاسم مبتدأ ، خبره ـ