وبهذه المناسبة نذكر «لمّا» ـ التى سبقت الإشارة إليها (١) ـ وهى التى تماثل «إلّا» فى الحرفية ، وفى الدلالة على الاستثناء ، ولكنها لا تدخل إلا على جملة اسمية ؛ (كقوله تعالى : (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) ـ ، فى قراءة من شدّد الميم ، واعتبر «إن» التى فى صدر الجملة ، نافية ـ) أو على جملة فعلية ماضوية لفظا لا معنى ؛ (بأن يكون الفعل ماضيا فى لفظه ، مستقبلا فى معناه) ، نحو : أنشدك الله لمّا فعلت ؛ أى : أنشدك بالله ، وأستحلفك به إلا فعلت. والمعنى : ما أسألك إلا فعلك ؛ على تقدير : إلا أن تفعل كذا ... ؛ ليكون الفعل الماضى مستقبل الزمن ؛ تطبيقا لما تقرر من أن الماضى الذى يليها يكون ماضيا فى لفظه ، مستقبلا فى معناه (٢) ـ وسيجىء (٣) تفصيل الكلام على جواب القسم ، وأنواعه ، وأحكامه.
(ب) نعود لذكر ما قرره النحاة خاصّا بتقديم المستثنى بإلا. قالوا : لا يصح ـ مطلقا ـ تقديمه وحده عليها (٤) ولا يجوز أن يتقدم على المستثنى منه ، وعلى عامله معا ؛ فلا يصح : إلا التفاح أكلت الفواكه. أما تقدمه على أحدهما وحده فجائز ؛ وقد تقدمت الأمثلة لتقدمه على المستثنى منه دون العامل. وأما تقدمه على العامل وحده فنحو : الفواكه إلا التفاح أكلت. حيث تقدم المستثنى على عامله
__________________
ـ مقصور على ما ورد السماع به من مثل : «تسمع بالمعيدىّ خير من أن تراه» ... كان دفع الاعتراض بأن تأويل الفعل بالمصدر من غير سابك أمر قياسى فى بعض الحالات ؛ كالتى نحن فيها ، دون بعض ؛ فيحكم عليه بالشذوذ فى كل باب لم يطرد فيه السبك عن العرب. أما إذا اطرد السبك فى باب واستمر فيه ، فإنه لا يكون شاذا ؛ كالأساليب التى نحن بصددها حيث التزمت فيها العرب ذلك النسق ، وكإضافة بعض أسماء الزمان إلى الجملة فى مثل : جئت حين ركب الأمير ، أى : فى حين ركوب الأمير. وفى مثل قوله تعالى : (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ،) أى : يوم نفع الصادقين ... فهذا وأمثاله مطرد. ومثل : لا تأكل السمك وتشرب اللبن ، فإنك إذا نصبت «تشرب» فإنما تنصبه بأن مضمره ؛ فيصير اسما معطوفا فى الظاهر على فعل ، وهذا العطف ممتنع إلا عند التأويل ؛ فتحتاج إلى أن تتصيد من الفعل مصدرا من غير سابك ، ولا يعد هذا شاذا ، لاطراده فى بابه. وكذلك مثل : سواء على أقمت أم قعدت. أى : قيامك وقعودك ، فهذا مؤول بالمصدر بدون أداة سبك ؛ لاطراده فى باب التسوية ... اه الملخص.
(١) فى رقم ١ من هامش ص ٢٩٦ وتجىء لها إشارة أيضا فى : «د» من ص ٣٣٦.
(٢) راجع الأشمونى والصبان ـ ج ٤ ـ أول باب : «الجوازم» عند الكلام على : «لما» الجازمة.
(٣) فى ص ٤٦٠.
(٤) كما سبق فى رقم ٥ من هامش ص ٢٩٧.