(ه) الاستثناء المتصل والمنقطع :
فالأول : ما كان فيه المستثنى بعضا (١) من المستثنى منه ؛ نحو : سقيت الأشجار إلا شجرة ـ فحص الطبيب الجسم إلا اليد.
والثانى : ما لم يكن فيه المستثنى بعضا من المستثنى منه ؛ نحو حضر الضيوف إلا سياراتهم ـ اكتمل الطلاب إلا الكتب. ومثل قوله تعالى عن أهل الجنّة : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلَّا سَلاماً،) فاللغو هو : ردىء الكلام وقبيحه ، والسّلام ليس بعضا منه. وكذلك قوله تعالى : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً ، إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً.)
وليس معنى انقطاعه أنه لا صلة له بالمستثنى منه ، ولا علاقة تربطهما ارتباطا معنويّا ، وإنما معناه انقطاع صلة «البعضية» بينهما ؛ فليس «المستثنى» جزءا حقيقيّا من «المستثنى منه» ، ولا فردا من أفراده. ومع انقطاع هذه الصلة على الوجه السالف لا بد أن يكون هناك نوع اتصال معنوى يربط بينهما. ولهذا تؤدى أداة الاستثناء فيه معنى الحرف : «لكن» (ساكن النون أو مشددها) الذى يفيد الابتداء والاستدراك معا (٢) ؛ وبالرغم من إفادته الابتداء والاستدراك معا لا يقطع الصلة المعنوية بين ما بعده وما قبله ، ومن ثمّ كان من المحتوم فى كل «استثناء منقطع» صحة وقوع الحرف : «لكن» ـ الساكن النون ، أو مشددها ـ موقع أداة الاستثناء فيه مع استقامة المعنى. (على التفصيل الذى سيجىء فى الزيادة) (٣) ولا يجوز فى الاستثناء المنقطع أن تكون أداته فعلا ؛ لأن هذه الأداة الفعلية لا تستخدم إلا فى التامّ المتصل ، كما تقدم.
والآن نبدأ الكلام فى أحوال الاستثناء ، وأحكامه ، وهى متعددة (٤) يتعدد أدواته
__________________
(١) لهذا صورتان ؛ الأول : أن يكون المستثنى منه متعدد الأفراد ، والمستثنى أحد تلك الأفراد المتماثلة ؛ نحو : تناولت الكتب إلا كتابا. فالمستثنى منه ـ وهو الكتب ـ متعدد الأفراد ، والمستثنى واحد منها. الثانية : أن يكون المستثنى منه فردا واحدا ، ولكنه ذو أجزاء ، والمستثنى جزء من تلك الأجزاء ؛ مثل : غطيت الجسم إلا الوجه. وفى الحالتين يكون ما بعد «إلا» مخالفا فى المعنى لما قبلها. ولا مانع فى الرأى الأحسن أن يكون المستثنى المتصل جملة ـ وسيجىء البيان فى رقم ٣ من هامش ص ٣٠٥ ورقم ٢ من هامش ص ٣٠٧ ـ
(٢) راجع «و» من ص ٣٠٧.
(٣) فى : «و» من ص ٣٠٧.
(٤) هذا الباب من أكثر الأبواب تعددا فى الأحكام ، واختلافا فيها. ومنها المردود والضعيف. وقد حاولنا جاهدين تصفيته مما يشوه الحقائق الناصعة.