مصدر منصوب بالمضارع المحذوف ، المجزوم بلا الناهية (١) ، ونائب عنه فى تأدية معناه. وفاعل المصدر ضمير مستتر فيه ، تقديره : أنت. وهذا الضمير انتقل للمصدر من المضارع المحذوف.
ومثال الدعاء بنوعيه (٢) قول زعيم : «ربنا إنا قادمون على معركة فاصلة مع طاغية جبار ؛ فنصرا عبادك المخلصين ، وهلاكا وسحقا للباغى الأثيم». أى : فانصر ـ يا رب ـ عبادك المخلصين ، واهلك واسحق الباغى الأثيم.
ومنه «سقيا» و «رعيا» (٣) لك ، وجدعا وليّا لأعدائك. وإعراب المصادر فى هذه الأمثلة كإعرابها فى نظائرها السابقة.
ومثال الاستفهام التوبيخى (٤) : أبخلا وأنت واسع الغنى؟ أسفاهة وأنت
__________________
(١) والأصل قبل الحذف فيهما : اسكت سكوتا ، لا تتكلم تكلما ، ولا يكون حذف المضارع المجزوم «بلا» الناهية واجبا إلا فى هذه الصورة.
(٢) الخير والشر.
(٣) يوجب أكثر النحاة حذف العامل هنا ؛ مراعاة للسماع. ويكون التقدير : اسق يا رب ، ارع يا رب. الدعاء لك أيها المخاطب ، فالجار والمجرور فى الصورتين خبر لمحذوف ؛ تقديره : الدعاء ـ مثلا ـ ولا يصح أن يكون الجار والمجرور متعلقين بالمصدر قبلهما ؛ لئلا يفسد المعنى ؛ إذ يكون : اسق يا رب لك ـ ارع يا رب لك. وهذا فاسد ؛ لأن السقى ليس مطلوبا لله ، وكذلك الرعى. من أجل هذا قالوا بحق فى مثل : سقيا لك ـ إن الكلام جملتان وليس جملة واحدة. على أن لهذا البحث تفصيلات واسعة ، وتفريعات دقيقة ؛ لا غنى عن الإلمام بها ، لتعدد أحكامها بتعدد استعمالاتها ـ وقد سجلناها فى ج ١ ص ٣٧٢ م ٣٩. ـ ويجيز فريق من النحاة عدم التقيد بوجوب حذف العامل فى مثل هذه الصورة المسموعة ، ورأيه سائغ ، والأول هو الأفصح والأقوى ـ كما سيجىء فى «ح» من ص ٢٢٠.
(٤) قد يكون التوبيخ للمتكلم ، بأن يوجه صيغة التوبيخ مشتملة على الخطاب يريد بها نفسه ، بقرينة. كقول القائل لنفسه : أتركا للعمل وأنا فقير؟ وقد يكون التوبيخ للمخاطب ، نحو : أسرقة وأنت غنى؟ وقد يكون للغائب : نحو : أخوفا وهو جندى؟ وقد يكون التوبيخ مسبوقا بأداة استفهام. إما مذكورة صراحة ، أو ملحوظة فى حكم المذكورة ، وإما غير مذكورة ولا ملحوظة. فمثال المذكورة وما فى حكمها قول الشاعر :
أذلّا إذا شبّ العدا نار حربهم؟ |
|
وزهوا إذا ما يجنحون إلى السّلم؟ |
والأصل : أتذل ذلا؟ وتزهو زهوا؟ فالأول مسبوق بهمزة الاستفهام المذكورة ، والثانى مسبوق بها ملاحظة وتقديرا. ومثال غير المذكورة وغير المقدرة قول الشاعر :
خمولا ، وإهمالا وغيرك مولع |
|
بتثبيت أسباب السيادة والمجد |
أى : تخمل خمولا ، وتهمل إهمالا ...