على نزع الخافض إلا مع الفعل الذى وردت معه مسموعة. أى : أن هذه الكلمات القليلة المنصوبة على نزع الخافض لا يجوز القياس عليها ، فهى ، مقصورة على أفعالها الخاصة بها ، وأفعالها مقصورة عليها (١). ولو لا هذا لكثر الخلط ، وانتشر اللبس والإفساد ، وفقدت اللغة أوضح خصائصها ؛ وهو : التبيين ؛ وأساسه الضوابط السليمة المتميزة التى لا تداخل فيها ، ولا اختلاط.
وليس للتعدية بحرف الجر الأصلى حرف معين ، وإنما يختار للفعل وشبهه الحرف الذى يساير معناه ، ويناسب السياق ؛ فقد يكون الحرف : من ، أو ، إلى ، أو الباء ، أو غيرها ؛ كالأمثلة السابقة. وكقولنا : انصرف الصانع إلى مصنعه ـ وانصرف من المصنع إلى بيته ـ انصرف العالم عن الهزل ـ انصرف فى سيارته ... وهكذا تتغير أحرف الجر وتتنوع مع العامل اللازم بتنوع (٢) المعانى المطلوبة.
وحرف الجر إذا كان وسيلة للتعدية ، (وهى التعدية غير المباشرة) ، لا يجوز حذفه مع بقاء معموله مجرورا ، إلا فى بضعة مواضع قياسية (٣).
__________________
(١) إلا الكلمة المنصوبة على نزع الخافض فى مثل : «أرأيتك الحديقة ، هل راقك جمالها» على اعتبار أن «أرأيتك» بمعنى : أخبرنى ، والحديقة منصوبة على نزع الخافض ، والأصل عن الحديقة. ولهذه المسألة تفصيل هام ، وإيضاح مفيد فى ج ١ ص ٢١٦ م ١٩ ـ باب الضمير.
(٢) هذا أمر يجب التنبيه له ، فإذا رأينا لغويا ـ أو غيره ـ ينص صراحة أو تمثيلا على أن فعلا ـ مثل : قعد ، أو نام .. ـ يتعدى بحرف الجر «فى» أو بحرف جر آخر ينص عليه ، فليس مراده أن هذا الفعل لا يتعدى إلا بوسيلة المجىء بجار مع مجروره ، وأن حرف الجر الذى يجىء هو «فى» أو غيره مما نص عليه. وإنما مراده أمران معا ، هما : أن هذا الفعل لازم ، وأنه يجوز تعديته. بإحدى وسائل التعدية التى ستذكر هنا ، والتى منها الإتيان بحرف جر مناسب للمعنى وللسياق مع مجروره ، دون الاقتصار على حرف جر واحد فى الأساليب والمعانى المختلفة. فإذا اقتضى الأمر تعديته بالوسيلة القياسية وكانت حرف الجر جاز لنا أن نختار من بين حروف الجر حرفا يناسب المقام والغرض المراد ، من غير التزام حرف واحد فى كل المواقف المعنوية المتباينة. وعلى هذا نقول : قعدت على الكرسى ـ قعدت منذ ساعة ـ من قعدت به همته لم تنهض به عشيرته ... وهكذا.
ويزيد الأمر وضوحا ما سيجىء فى ص ٤٠٥ خاصا ببيان المراد من تعلق الجار والمجرور بالعامل.
(٣) سيجىء كثير منها فى باب حروف الجر ص ٤٩١ م ٩١ ـ وقد استفاض الخلاف والجدل فى جواز حذف الحروف الجارة حذفا قياسيا ، أو عدم جوازه ، وفى حكم المجرور بعد الحذف ؛ أيبقى مجرورا كما كان أم ينصب على نزع الخافض؟ وعند نصبه أيجوز أن يكون مفعولا به لعامله المذكور ، أم لا يجوز؟ وما حكم المصدر المؤول إذا كان مجرورا بالحرف المحذوف؟ أيكون فى محل جر أم فى محل نصب على نزع الخافض ، أو على أنه مفعول به للعامل الجديد؟ .. و.. و... بحوث جدلية وتفريعات متشعبة ... وصفوة ما يقال إن حذف الجار على أربعة أنواع :
ا ـ نوع يحذف وينصب بعده المجرور بما يسمى : «النصب على نزع الخافض» ؛ مثل : ـ