وبالرغم من هذه الوسيلة لجئوا إلى أخرى أدقّ منها وأصحّ ؛ فقد بذلوا الجهد ـ قدر استطاعتهم ـ فى استقصاء كلام العرب ، وحصر الأفعال اللازمة الواردة فيه ، وتقسيمها أقساما تقريبية متعددة ، لكل قسم عنوان معيّن ينطبق ـ إلى حدّ كبير ـ على عدد كثير من الأفعال اللازمة الداخلة تحته ؛ فيكتفى الراغب بمعرفة هذا العنوان ، وتطبيق معناه على الفعل الذى يريد الحكم عليه بالتعدية أو باللزوم ؛ فيصل ـ غالبا ـ إلى ما يريد. فمنزلة هذا العنوان العام منزلة القاعدة التى تطبق على أفراد متعددة ؛ فتغنى عن المراجع اللغوية ، وتوصل إلى الغاية المرجوة بغير جهد مبذول ، ولا وقت ضائع. وقد نجحوا فى وضع هذه العناوين أو القواعد التقريبية نجاحا كبيرا يمكن الاعتماد عليه ، والاكتفاء به ، بالرغم من أنها لم تنطبق على قليل من الأفعال وصف بالشذوذ ، ونحوه. وأشهر تلك العناوين والقواعد الدالة ـ فى الغالب ـ على الأفعال اللازمة ما يأتى :
١ ـ الأفعال الدالة على صفة تلازم صاحبها ، ولا تكاد تفارقه إلا لسبب قاهر ، وهى الأفعال الدالة على السجايا ، والأوصاف الفطرية مثل : شرف فلان ؛ نبل ـ ظرف ـ قصر ـ طال ـ سمن ـ نحف ... والأغلب فى هذه الأفعال أن تكون على وزن : «فعل» ـ بفتح فضم ـ وهذه صيغة تكاد تقتصر على الفعل (١) اللازم.
ويتصل بهذا ما لا يدوم ولكن زمنه يطول ، أو يتكرر ؛ مثل : جبن ـ شجع ـ نهم (٢) ـ جشع.
٢ ـ الأفعال الدالة على أمر عرضىّ (٣) طارئ ، يزول بزوال سببه المؤقت ؛ كالأفعال فى مثل : مرض المتعرض للعدوى ـ ، احمر وجهه ـ ارتعشت يده ... وكالأفعال الدالة على فرح أو حزن ؛ فرح ـ (هنئ ـ سعد ـ حزن ـ جزع ـ فزع ـ رجف ...) أو على نظافة ودنس ؛ مثل : نظف الثوب أو غيره ـ
__________________
(١) ويقول صاحب المغنى (ج ٢ باب الأمور التى لا يكون الفعل معها إلا قاصرا) : إنه لم يرد منها متعديا سماعا إلا اثنان ؛ هما : رحب ، طلع ـ بفتح أولهما ، وضم ثانيهما ـ فى مثل رحبتكم الدار ، طلع القمر اليمن. كما سيجىء فى ص ١٥٩ وفى رقم ٢ من هامش ص ١٧٢.
(٢) نهم الرجل : اشتدت رغبته فى الطعام وملازمته.
(٣) يراد بالعرضى هنا. المعنى الطارئ الذى ليس له طول ثبات ، ولا دوام ، وليس حركة جسم. أما الفعل الدال على الحركة فقد يكون لازما ؛ مثل : مشى ، وقد يكون متعديا مثل : مد ـ