قد يكون الجواب : المشى مشيته ، والساعة استرحتها (١) ، والذهاب ذهبته ، والعمل زاولته. ففى الإجابة ضمائر عاد بعضها على المصدر أو على الظرف ، مع أن أفعالها لازمة ؛ كما فى الثلاثة الأولى ، وعاد بعضها على المصدر أيضا مع أن الفعل : «زاول» متعد بنفسه.
ثانيهما : صياغة اسم مفعول تامّ (٢) من الفعل الذى يراد معرفة تعديته أو لزومه ؛ فإن أدى اسم المفعول معناه بغير حاجة إلى جار ومجرور كان فعله متعديا بنفسه ، وإلا كان لازما. ففى مثل : فتح ـ أكل ـ أعلن ... نقول : الباب مفتوح ـ الفاكهة مأكولة ـ الخبر معلن ... فنرى اسم المفعول مستغنيا عن الجار والمجرور فى أداء المراد منه ، بخلافه عند صياغته من مثل : قعد ـ يئس ـ هتف ... حيث نقول : الحجرة مقعود فيها ـ القضاء على أسباب الحرب ميئوس منه ـ العظيم مهتوف باسمه ... فاسم المفعول هنا لم يستغن فى أداء معناه عن الجار مع مجروره ...
فالوسيلة إلى معرفة التعدية واللزوم تكون باستخدام أحد الضابطين ، أو كليهما معا ؛ كما يقول النحاة (٣).
__________________
(١) انظر نيابة العدد عن الظرف ـ فى ص ٢٤٨ ـ.
(٢) أى : لا يحتاج فى تأدية المعنى المراد منه إلى جار مع مجروره.
(٣) الحق أن تلك الوسيلة ليست ناجعة ، ولا سليمة ، وأن الضابط الصحيح هو حكم اللغة بمفرداتها ، وتراكيبها الواردة عن أهلها العرب. وقد حوت النصوص والمراجع الوثيقة كثيرا من هذه المفردات والتراكيب ، وأبانت الكتب اللغوية ـ فى عناية تامة ـ ما تعدى من الأفعال وما لزم ، مع سرد معانيها ؛ نشهد هذا فى كتاب : المصباح المنير ، وفى القاموس المحيط ، وشرحه تاج العروس ، وفى لسان العرب ، وفى أساس البلاغة ... وغيرها من المطولات اللغوية. أما الضابطان السالفان فلا يصلح أحدهما أو كلاهما للإبانة دون الرجوع إلى تلك المراجع الوثيقة. وإلا فمن أين نعلم ويعلم المستعرب أن الفعل : (فتح ـ أكل ـ أعلن ـ ...) واسم المفعول منه مستغنيان عن الجار والمجرور ، وأن الفعل : (قعد ـ يئس ـ هتف ...) واسم مفعوله لا يستغنيان؟ من أين نعلم أن هذا الأسلوب صحيح فى تركيبه بعد التعدية ، أو غير صحيح؟ وأن مثل : «الحجرة قعدتها» ـ خطأ؟ لا سبيل لذلك إلا بالرجوع إلى تلك المصادر اللغوية الأمينة ، ولا دخل للذوق الشخصى فى الصحة أو الفساد ؛ لأنه غير مأمون. ومعنى ما تقدم أننا ـ ولا سيما المستعربون ـ لا نستطيع الانتفاع بأحد الضابطين السالفين أو بهما معا دون تحكيم اللغة أولا ، والاعتماد على ما تشير به ، ولها وحدها القول الفصل. أما الضابطان أو أحدهما فيستطيع من عرف أولا ، من اللغة تعدية هذا الفعل أو لزومه ـ أن يلجأ إليهما ؛ لمجرد الاستئناس ، لا لمعرفة أمر مجهول ، بل إنه لا يحتاج إلى مثل هذا الاستئناس ؛ لاستغنائه عنه بالمعرفة اللغوية السابقة.