قد دخلت على جملة اسمية ، مع أنّ الجملة الاسمية تفيد الثبوت (١) ؛ وهو من أضداد التعليق. وهنا يقع فى الجملة الواحدة التعارض الواسع بين مدلول الأداة ، مدلول والمبتدأ مع خبره ؛ وهو تعارض واقعىّ (٢) لا خيالىّ ؛ إذ مردّه الاستقراء المنتزع من الأساليب العربية الصحيحة التى لا يسوغ مخالفتها ، ولا سيما فى النواحى المتعلقة بالمعنى ، وإلا اضطربت المعانى ، وتناقضت ، ولم تؤد اللغة مهمتها ـ. بخلاف الجملة الفعلية ؛ فإنها تقبل التعليق ، ولا تعارضه.
وشىء آخر يؤيد ما سلف ؛ هو أن بعض النصوص الفصيحة الواردة تدل على وجود لغات أو لهجات ترفع المضارع «ينصح» فى ذلك المثال وأشباهه. فإذا ورد مرفوعا فأين فعل الشرط؟ أيكون هو فعل الشرط مع رفعه ؛ فنتكلف أقبح التأول والتمحل فى إعرابه؟ أم نتركه على حاله مرفوعا ، ونقدّر فعلا آخر للشرط مجزوما مباشرة؟ الأمران معيبان. ولكن الثانى أقرب إلى القبول ؛ لأنه ـ بسبب جزمه المباشر الخالى من التأول ـ ينخرط فى عداد أفعال الشرط ؛ إذ الأصل فى أفعال الشرط أن تكون مجزومة. وهذا دليل آخر يدفعنا إلى رفض الوجه الإعرابى السابق (المبتدأ). كما تحمل على رفضه أمور أخرى نحوية وبلاغية دقيقة وفى مقدمتها الفصل بالمبتدأ بين أداة الشرط الجازمة وفعلها وهذا ممنوع ؛ لمخالفته المأثور الشائع (٣).
__________________
(١) ثبوت الحكم إيجابا أو سلبا. أى : تحقق وقوعه والقطع بحصوله ؛ سواء أكان موجبا أم منفيا.
(٢) لإيضاح هذا التعارض نقول : الأصل فى الجملة الاسمية ـ كما هو مقرر مقطوع به ـ أنها تدل على الثبوت إذا كانت اسمية محضة ؛ (أى خالية من فعل) ومن أمثلتها : الوالد رحيم ـ الوالدان نفعهما عميم ... وقد تفيد مع الثبوت الدوام بقرينة. هذا شأن الجملة الاسمية المحضة. فإن كانت غير محضة (وهى التى يكون فيها الخبر جملة فعلية) نحو : الوالد زاد فضله ، فإنها تفيد التجدد ، وقد تفيد الاستمرار التجددى. وكل ما سبق موضح بتفصيلاته فى علوم البلاغة وغيرها. ومنه يتبين أن الدلالة التى تؤديها الجملة الاسمية بنوعيها (المحضة ، وغير المحضة) تعارض وتناقض التعليق. فكيف يجتمعان فى جملة واحدة؟
(٣) عند جمهور البصريين (راجع شرح العكبرى ، لديوان المتنبى وبيته : ـ