على أنه مرفوع فعل محذوف ؛ كقوله تعالى : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ) ، فكلمة : «أحد» فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور بعده ، والتقدير : وإن استجارك أحد من المشركين استجارك ... إلى آخر ما أوضحنا ...
والذى نريد بسطه الآن أن بعض القدامى والمحدثين لا يروقهم هذا التقدير ، ويسخرون منه ، مطالبين بإعراب الاسم المرفوع ـ فى الآية السالفة وأشباهها ـ إما مبتدأ مباشرة ، وإما فاعلا مقدما للفعل الذى بعده (أى : للمفسّر) وبإهمال التعليل الذى يحول دون هذا الإعراب ، لأنه ـ كما يقولون ـ تعليل نظرى محض ، أساسه التخيل والتوهم ، وتعارضه النصوص الكثيرة الواردة بالرفع الصريح ...
ولا حاجة إلى عرض أدلة كل فريق ممن يبيح أو يمنع ؛ فقد فاضت بها المطولات والكتب التى تتصدّى لمثل هذا الخلاف ، وسرد تفاصيله وأدلته التى نضيق بها الصدور ـ أحيانا ـ حين تقوم على مجرد الجدل ، وتعتمد على التسابق فى إظهار البراعة الكلامية. ومنها : كتاب : «الإنصاف فى أسباب الخلاف» ، لابن الأنبارى ...
والحق يقتضينا أن نحكم على كل وجه من أوجه الإعراب الثلاثة بالضعف. ولكن الضعف فى حالة تقدير عامل محذوف ، أخفّ وأيسر. وفيما يلى البيان بإيجاز ، ولعل فيه ـ مع إيجازه ـ ما يرد بالأمر مورده الحق ، ويضعه فى نصابه الصحيح. هذا ، وفى الاستئناس والاسترشاد بما يقال فى الاسم المرفوع بعد أداة الشرط ـ كالآية السابقة ، وأمثالها ـ ما يكفى ويوصّل لتأييد النحاة ، ودعم رأيهم فى باقى حالات رفعه.
(ا) فى مثل : إن عاقل ينصحك ينفعك ، لو أعربنا الاسم السابق : «عاقل» مبتدأ لكانت الجملة الفعلية بعده (وهى : ينصحك) فى محل رفع ، خبره. ويترتب على هذا أن تكون أداة الشرط ، وهى تفيد ـ دائما ـ التعليق (١)
__________________
(١) توقف حصول شىء ، أو عدم حصوله ، على أمر آخر ؛ فيكون الثانى ـ فى الأغلب ـ مترتبا على الأول وجودا وعدما. فإن كانت أداة الشرط جازمة فالتعلق والتوقف لا يتحقق إلا فى المستقبل.