وثانيهما : إعرابه مفعولا به لعامل محذوف وجوبا ، يدل عليه ويرشد إليه العامل المذكور بعده فى الجملة ، فيكون العامل المحذوف وجوبا مشاركا للمذكور إما فى لفظه ومعناه معا ، وإما فى معناه ، فقط ، ولا يصح الجمع بين العاملين ما داما مشتركين (١) ، إذ الموجود عوض عن المحذوف. فمثال الأول : الأمين شاركته ، فالتقدير : شاركت الأمين شاركته. ومثال الثانى : البيت قعدت فيه ، التقدير : لابست البيت ، قعدت فيه : أو : لازمت البيت ، قعدت فيه. ومثل : الحديقة مررت بها ؛ أى : جاوزت الحديقة مررت بها. وهكذا نستأنس بالعامل الموجود فى الوصول إلى العامل المحذوف وجوبا من غير أن نتقيد بلفظ العامل الموجود أحيانا. أمّا معناه فنحن مقيدون به فى كل حالات الاشتغال.
مع جواز الأمرين السالفين فالأول (وهو إعرابه مبتدأ) أحسن ؛ لأنه لا يحتاج إلى تقدير عامل محذوف ، ولا إلى التفكير فى اختياره ، وفى موافقته للعامل المذكور ، وقد تكون موافقته معنوية فقط ؛ فتحتاج ـ أحيانا ـ إلى كدّ الفكر (٢).
* * *
والنحاة يتخيرون هذا الموضع للكلام على حكم كثير من الأسماء المتقدمة على عواملها ، وينتهزون فرصة «الاشتغال» ليعرضوا أحكام تلك الأسماء ؛ سواء منها ما يدخل فى باب «الاشتغال» وتنطبق عليه أوصافه التى عرفناها ، وما لا يدخل فيه ، ولا تنطبق عليه صفاته (٣). وهم يقسمونها ثلاثة أقسام (٤) : ما يجب نصبه ، وما يجب رفعه ، وما يجوز فيه الأمران.
__________________
(١) فإن لم يكونا مشتركين جاز أن يكون الأول مذكورا. ومعنى هذا جواز نصب الاسم السابق بفعل مخالف للمذكور ؛ فلا اشتغال معه ؛ ـ كما سنوضحه فى الزيادة والتفصيل فى رقم ٢ من ص ؛ ١٣ ـ.
(٢) والبلاغيون يفرقون بين الأمرين ؛ إذ يترتب على أحدهما أن تكون الجملة اسمية ، وعلى الآخر أن تكون فعلية ، وفرق بلاغى بين المدلولين مع صحتهما ؛ لهذا يقولون : إن أحسن الأمرين هو ما يتفق مدلوله مع غرض المتكلم. فإن لم يعرف غرضه فهما سيّان.
(٣) كالحالة التى يجب فيها رفع الاسم السابق ؛ إذ لا ينطبق عليها فى الصحيح تعريف «الاشتغال» الأصيل. ومثلها حالات الرفع الأخرى التى يكون الرفع فيها جائزا ، فحالة الرفع بنوعيه لا ينطبق عليها ـ فى الصحيح ـ الاشتغال الحقيقى ، ما دام الاسم مرفوعا ـ كما سيجىء فى «ب» من ص ١٢٨ ثم انظر رقم ٣ من ص ١٣٤ ـ.
(٤) الواقع أنهم يقسمونها خمسة أقسام ، «قسم يجب فيه النصب ، وقسم يجب فيه الرفع ، وقسم يجوز فيه الأمران والنصب أرجح ، وقسم يجوز فيه الأمران والرفع أرجح ، وقسم يجوز فيه الأمران على ـ