جمادى الآخرة ، فأصعد فتح (٤٥) الإبريق إلى عندي فمددت يدي ولزمت عروته لأفرغ على كفي فأمسك ماسك فم الإبريق ، وأداره عني ، ومنعني من استعمال الماء في طهارة الصلاة ، فقلت : لعل الماء نجس ، فأراد الله أن يصونني عنه ، فإن الله جل جلاله علي عوائد كثيرة ، أحدها مثل هذا ، وأعرفها ، فناديت : إلى فتح ، فقلت : من أين ملأت الإبريق؟ قال : من المسيبة ، فقلت : هذا لعله نجس ، فاقلبه واشطفه ، واملأ من الشط.
فمضى وقلبه ، وأنا أسمع صوت الإبريق ، وشطفه وملأه من الشط وجاء به ، فلزمت عروته ، وشرعت أقلب منه على كفي ، فأمسك ماسك فم الإبريق وأداره عني ، ومنعني منه ، فعدت صبرت ، ودعوت بدعوات ، وعاودت الإبريق فجرى مثل ذلك ، فعرفت أن هذا منع لي من صلاة الليل في تلك الليلة ، قلت في خواطري : لعل الله يريد أن يجري علي حكما وابتلاء غدا ، ولا يريد أن أدعو الليلة في السلامة من ذلك ، وجلست لا يخطر بقلبي غير ذلك ، فنمت وأنا جالس ، وإذا برجل يقول لي : هذا يعني عبد المحسن ـ الذي جاء بالرسالة كان ينبغي أن تمشي بين يديه.
فاستيقظت ، ووقع في خواطري أن قد قصرت في احترامه وإكرامه ، فتبت إلى الله جل جلاله ، واعتمدت ما يعتمد التائب من مثل ذلك ، وشرعت في الطهارة فلم يمسك أحد الإبريق ، وتركت على عادتي ، فتطهرت وصليت ركعتين ، فطلع الفجر فقضيت نافلة الليل ، وفهمت أنني ما قمت بحق هذا الرسالة.
فنزلت إلى الشيخ عبد المحسن ، وتلقيته وأكرمته ، وأخذت له من خاصتي ست دنانير ، ومن غير خاصتي خمسة عشر دينارا ، مما كنت أحكم فيه كمالي ، وخلوت به في الروشن ، وعرضت ذلك عليه فاعتذرت إليه ، فامتنع قبول شئ أصلا ، وقال : إن معي نحو مائة دينار ، وما آخذ شيئا ، أعطه لمن هو فقير ، وامتنع غاية الامتناع ، فقلت له : إن رسوله مثله عليهالسلام (٤٦) ، يعطى لأجل الإكرام لمن أرسله عليهالسلام ، لا لأجل فقره وغناه ، فامتنع ، فقلت : مبارك ، أما الخمسة عشر دينارا فهي من غير خاصتي ، فلا
__________________
(٤٥) فتح : اسم غلامه [منه رحمهالله ، كما في هامش البحار].
(٤٦) في الأصل : (صلىاللهعليهوآله) والكلام عن المهدي ـ عجل الله تعالى فرجه الشريف ـ فما أثبتناه أنسب للمقام ، وكذا ما بعده.