قال أبو عبيد : والصواب من ذلك عندي ، والله أعلم ، مذهب فيه تصديق القولين جميعا. وذلك إن هذه الحروف أصولها أعجمية كما قال الفقهاء إلا أنها سقطت إلى العرب فأعربتها بألسنتها ، وحولتها عن ألفاظ العجم إلى ألفاظها فصارت عربية. ثم نزل القرآن وقد اختلطت هذه الحروف بكلام العرب. فمن قال : إنها عربية فهو صادق ، ومن قال : عجمية فهو صادق. قال : وإنما فسرنا هذا لئلا يقدم أحد على الفقهاء فينسبهم إلى الجهل ، ويتوهم عليهم أنهم أقدموا على كتاب الله جل ثناؤه بغير ما أراد الله عزوجل ، وهم كانوا أعلم بالتأويل وأشد تعظيما للقرآن.
قال أحمد بن فارس : وليس كل من خالف قائلا في مقالته فقد نسبه إلى الجهل ، وذلك أن الصدر الأول اختلفوا في تأويل آي من القرآن فخالف بعضهم بعضا ، ثم خلف من بعدهم من خلف ، فأخذ بعضهم بقول ، وأخذ بعض بقول ، حسب اجتهادهم ، وما دلتهم الدلالة عليه ، فالقول إذا ما قاله أبو عبيدة ، وإن كان قوم من الأوائل قد ذهبوا إلى غيره.
فإن قال قائل : فما تأويل قول أبي عبيدة : (فقد أعظم وأكبر) ، قيل له : تأويله أنه أتى بأمر عظيم وكبير ، وذلك أن القرآن لو كان فيه من غير لغة العرب شئ لتوهم متوهم أن العرب إنما عجزت عن الإتيان بمثله لأنه أتى بلغات لا يعرفونها ، وفي ذلك ما فيه.
وإذا كان كذا فلا وجه لقول من يجيز قراءة القرآن في صلاته بالفارسية ، لأن الفارسية ترجمة غير معجزة ، وإنما أمر الله جل ثناؤه بقراءة القرآن العربي المعجز ، ولو جازت القراءة بالترجمة الفارسية لكانت كتب التفسير والمصنفات في معاني القرآن باللفظ العربي أولى بجواز الصلاة بها ، وهذا لا يقوله أحد