بسم الله الرّحمن الرحيم
« إعلم انّا لا نشك في كون الأحكام اليقينية التي تحكم بها أذهاننا ـ مثلاً ـ كالحكم بأن الواحد نصف الإثنين ، أو بأن قطر المربع لا يشارك ضلعه ، أو يحكم به مما لم يسبقه إليه ذهن أصلاً ـ بعد أن يكون يقينيّاً ـ مطابقة لما في نفس الأمر.
ولا نشك في أنّ الأحكام التي يعتقدها الجهال بخلاف ذلك ـ كما لو اعتقد معتقد ان القطر يشارك الضلع أو غير ذلك ـ غير مطابقة لما في نفس الأمر.
ونعلم يقينا انّ المطابقة لا يمكن أن تتصور إلّا بين شيئين متغايرين بالتشخص ، ومتّحدين فيما تقع به المطابقة ، ولا شكّ في أنّ الصنفين المذكورين من الأحكام مشتركان في الثبوت الذهني ، فإذاً يجب أن يكون للصنف الأول منهما دون الثاني ثبوت خارج عن أذهاننا ، تعتبر المطابقة بين ما في أذهاننا وبينه ، وهو الذي يعبّر عنه بما في نفس الأمر.
فنقول : ذلك الثابت الخارج إما أن يكون قائماً بنفسه أو متمثّلاً في غيره ، والقائم بنفسه يكون إما ذا وضع أو غير ذي وضع ، والأول محال.
اما أولاً ـ فلأن تلك الأحكام غير متعلّقة بجهة معيّنة من جهات العالم والأشخاص ، ولا بزمان معين من الأزمنة ، وكل ذي وضع متعلّق بها فلا شيء من تلك الأحكام بذي وضع.
لايقال : إنها تطابق ذوات الأوضاع ، لا من حيث هي ذوات أوضاع ، بل من حيث هي معقولات ، ثم إنها تفارق الأوضاع من حيثية اُخرى ، كما يقال في الصور المرتسمة في الأذهان الجزئية انها كلّية باعتبار ، وجزئية باعتبار آخر.
لأنا نقول : الصور الخارجية المطابق بها إذا كانت كذلك قائمة بغيرها ، وفي هذا الفرض كانت قائمة بنفسها ، هذا خلف.
واما ثانياً ـ فلأن العلم بالمطابقة لا يحصل إلّا بعد الشعور بالمطابقين ، ونحن لا نشكّ في المطابقة مع الجهل بذلك الشيء من حيث كونه ذا وضع.
واما ثالثاً ـ فلأن الذي
في أذهاننا من تلك الأحكام إنّما ندركه بعقولنا ، واما ذوات الأوضاع فلا ندركها إلّا بالحواسّ أو ما يجري مجرى الحواس ، والمطابقة بين