« واستدلّ على ذلك بأن القرآن كان يُدرّس ويُحفظ جميعه في ذلك الزمان ، حتى عيّن على جماعة من الصحابة في حفظهم له ، وأنّه كان يعرض على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ويتلى عليه ، وأنّ جماعة من الصحابة مثل عبدالله بن مسعود واُبيّ بن كعب وغيرهما حتموا القرآن على النبي صلّی الله عليه وآله وسلّم عدّة ختمات.
كل ذلك يدلّ بأدنى تأمّل على أنّه كان مجموعاً مرتّباً غير مبتورٍ ولا مبثوث ».
« وذكر أنّ من خالف في ذلك من الإمامية والحشوية لايعتدّ بخلافهم ، فإنّ الخلاف في ذلك مضاف إلى قوم من أصحاب الحديث ، نقلوا أخباراً ضعيفة ظنّوا بصحّتها ، لايرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحّته » (١١).
ولقد عرف واشتهر هذا الرأي عن الشريف المرتضى حتى ذكر ذلك عنه كبار علماء أهل السُنّة ، وأضافوا أنّه كان يُكَفِّر من قال بتحريف القرآن ، فقد نقل ابن حجر العسقلاني عن ابن حزم قوله فيه : « كان من كبار المعتزلة الدعاة ، وكان إمامياً ، لكنّه يكفّر من زعم أنّ القرآن بُدّل أو زيد فيه ، أو نقص منه ، وكذا كان صاحباه أبوالقاسم الرازي وأبويعلى الطوسي » (١٢).
ويقول الشيخ محمد بن الحسن أبو جعفر الطوسي ، الملقّب بشيخ الطائفة ـ المتوفّى سنة ٤٦٠ ـ في مقدّمة تفسيره : « والمقصود من هذا الكتاب علم معانيه وفنون أغراضه ، وأمّا الكلام في زيادته ونقصانه فممّا لايليق به أيضاً ، لأنّ الزيادة فيه مجمع على بطلانها ، والنقصان منه فالظاهر أيضاً من مذهب المسلمين خلافه ، وهو الأليق بالصحيح عن مذهبنا ، وهو الذي نصره المرتضى ـ رحمه الله تعالى ـ وهو الظاهر من الروايات.
غير أنّه رويت روايات كثيرة من جهة الخاصة والعامة بنقصان كثير من آي القرآن ، ونقل شيء منه من موضع إلى موضع ، طريقها الآحاد التي لا توجب علماً ولا عملاً ، والأوْلى الإعراض عنها وترك التشاغل بها لأنّه يمكن تأويلها ، ولو صحّت لما كان ذلك طعناً على ما هو موجود بين الدفّتين ، فإنّ ذلك معلوم صحّته لايعترضه أحد من
____________________________
(١١) نقل هذا في مجمع البيان ١ : ١٥ ، عن المسائل الطرابلسيات للسيد المرتضى.
(١٢) لسان الميزان ٤ : ٢٢٤ ، ولا يخفى ما فيه من الخلط والغلط.